منذ خلق الله الدنيا ، وكان أساسه على جبل ، فزلزله الله تعالى ، فانهدم على عمّاله وأهله وكلّ من كان عمل فيه من القهارمة والعمّال ، فقال فرعون لموسى عليهالسلام : إنّك تزعم أنّ ربّك عدل لا يجور ، أفعدل (١) الذي أمر؟ فاعتزل الآن إلى عسكرك ، فإنّ الناس لحقوا بالجبال والرمال ، فإذا اجتمعوا فأسمعهم (٢) رسالة ربّك.
فأوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام أخّره ودعه ، فإنّه يريد أن يجنّد لك الجنود فيقاتلك ، واضرب بينك وبينه أجلا ، وابرز إلى معسكرك يأمنوا بأمانك ، ثمّ ابنوا بنيانا واجعلوا بيوتكم قبلة.
فضرب موسى بينه وبين فرعون أربعين ليلة ، فأوحى الله إلى موسى أنّه يجمع لك الجموع ، فلا يهولنّك شأنه فإنّي أكفيك كيده ، فخرج موسى صلوات الله عليه من عند فرعون ، والعصا معه على حالها حيّة تتبعه وتنعق وتدور حوله ، والناس ينظرون إليه متعجّبين ، وقد ملئوا رعبا ، حتّى دخل موسى عسكره وأخذ برأسها فإذا هي عصا ، وجمع قومه وخرّوا سجّدا (٣).
فلمّا مضى الأجل الذي كان بين موسى وفرعون أوحى الله تعالى إلى موسى صلوات الله عليه أن اضرب بعصاك النيل (٤) ، وكانوا يشربون منه ، فضربه فتحوّل دما عبيطا ، فإذا ورده بنو إسرائيل استقوا ماءا صافيا ، وإذا ورده آل فرعون اختضبت أيديهم وأسقيتهم بالدم ، فجهدهم العطش حتّى أنّ المرأة من قوم فرعون تستقي من نساء بني إسرائيل ، فإذا سكبت الماء لفرعونيّة تحوّل دما ، فلبثوا في ذلك أربعين ليلة ، وأشرفوا على الموت ، واستغاث فرعون وآله بمضغ الرّطبة ، فيصير (٥)
__________________
(١) في «ر» «س» «ص» والبحار : (أفعدله).
(٢) في «ر» «س» «ص» والبحار : (تسمعهم).
(٣) في «ص» «م» والبحار : (وبنوا مسجدا) بدلا من : (وخرّوا سجّدا).
(٤) في «ر» «س» : (البحر).
(٥) في «ص» «م» والبحار : (فصير).