٨٤ ـ و (عَلى شاكِلَتِهِ) أي : على طبيعته (١).
٨٥ ـ و (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) هو هنا اسم ملك عظيم في قول بعض المفسرين (٢).
__________________
(١) انظر : مجاز القرآن (١ / ٣٨٩) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٣ / ٢٥٧).
(٢) والأصل فيه قوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] ، وقوله تعالى : (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [السجدة : ٩].
اعلم أن هذه الإضافة إضافة تشريف وإظهار بأنه خلق عجيب ومخلوق شريف ، وأن له شأنا لأنه جعل فيه الشيء الذي اختص تعالى به ، ولذلك أضافه إليه فصار بسبب ذلك حيّا حساسا بعد أن كان جمادا.
والروح اختلف العلماء هل يجوز الخوض فيها أم لا ، فذهب قوم إلى أن الإمساك عنها أولى ، وذهب آخرون إلى الكلام فيها ، والمتكلمون فيها اختلفوا هل هي عرض أم جرم لطيف يحل بالأجرام ، كحلول الماء في العود الأخضر ، والحكماء يقولون هي اللطيفة المدبرة للجسد حيوانا كان أو غيره ، وهذه اللطيفة مختلفون فيها ، فمنهم من قال : إنها الريح فهي عندهم في الحيوان روح ، وفي الهوى ريح ، فالأولى تحرك الحيوانات ، والأخرى تحرك الجمادات ، ومنهم من قال : إنها ماء الجسد المشتبك فيه اشتباك ماء العود الأخضر به ، وهذا الماء عند الفلاسفة هو الدم ، وعند غيرهم ما صحّ منه التركيب البدني ؛ لأنهم إذا ذهب ذهب تركيب البدن ، وهذه الأقوال وإن كانت حقّا فمن وراء حجاب عن حقيقتها ، وحقيقتها هي التي أجاب عنها تعالى بقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ) : أي اليهود (عَنِ الرُّوحِ) الذي هو روح البدن الإنساني ، ومبدأ حياته سألوه عن حقيقته ، فأجيبوا بقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[الإسراء : ٨٥] : أي من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأسرار الخفية ، التي لا يكاد يحوم حولها عقول البشر ، فالأمر واحد الأمور بمعنى الشأن والإضافة ؛ للاختصاص العلمي لا الإيجادي ؛ لاشتراك الكل فيه ، والمعنى أن الروح ليس من عالم الخلق حتى يمكن تعريفه للظاهرين البدنيين الذين لا يتجاوز إدراكهم عن الحس والمحسوس بالتشبيه ببعض ما شعروا به ، والتوصيف بل من عالم الأمر الإبداع الذي هو عالم الذوات المجرّدة عن الهيولي والجواهر المقدسة عن الشكل واللون والجهة والأين ، فلا يمكنكم إدراكه أيها المحجوبون بالكون ؛ لقصور إدراككم وعلمكم ، ولذلك قيل : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» إذ لا يمكن معرفتها حق المعرفة ، وأقاويل العلماء والحكماء والصوفية كثيرة في ماهية الروح ، وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله عزوجل وهو قول أهل السنة.
قال عبد الله بن بريدة : إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيّا مرسلا بدليل قوله : ـ