على غاربك. وكالمسائل في الحدود والطلاق ممّا يكثر ذكرها ، ممّا قد حدثت في أيامهم ، ولم يجئ في كلّ واحدة منها نصّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّه لو نصّ على جميع ذلك ما اختلفوا فيها ، وما بقي الخلاف إلى الآن.
وهذه المسائل ـ وان لم يكن في كلّ واحدة منها نصّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّهم ردّوها وقاسوها على ما فيه نصّ من كتاب الله تعالى والسنّة واجتهادهم ، فهذه أحكام حوادث الفروع ، ردّوها إلى أحكام الشريعة التي هي فروع لا تستدرك أحكامها إلاّ من جهة السمع والرسل ، فأمّا حوادث تحدث في الأُصول في تعيين مسائل فينبغي لكلّ عاقل مسلم أن يرد حكمها إلى جملة الأُصول المتفق عليها بالعقل والحس والبديهة وغير ذلك ، لأنّ حكم مسائل الشرع التي طريقها السمع أن تكون مردودة إلى أُصول الشرع الذي طريقه السمع ، وحكم مسائل العقليات والمحسوسات أن يرد كلّ شيء من ذلك إلى بابه ، ولا يخلط العقليات بالسمعيات ولا السمعيات بالعقليات ، فلو حدث في أيّام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلام في خلق القرآن وفي الجزء والطفرة بهذه الألفاظ لتكلّم فيه وبيّنه ، كما بيّن سائر ما حدث في أيامه من تعيين المسائل ، وتكلّم فيها.
ثمّ يقال : النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يصح عنه حديث في أنّ القرآن غير مخلوق أو هو مخلوق ، فلم قلتم : إنّه غير مخلوق؟
فإن قالوا : قد قاله بعض الصحابة وبعض التابعين.
قيل لهم : يلزم الصحابي والتابعي مثل ما يلزمكم من أن يكون مبتدعاً ضالاً إذ قال ما لم يقله الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإن قال قائل : فأنا أتوقّف في ذلك فلا أقول : مخلوق ولا غير مخلوق.
قيل له : فأنت في توقّفك في ذلك مبتدع ضال ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقل : إن حدثت هذه الحادثة بعدي توقّفوا فيها ولا تقولوا فيها شيئاً ، ولا قال : ضلّلوا وكفّروا من قال بخلقه أو من قال بنفي خلقه.
وخبرونا ، لو قال قائل : إن علم الله مخلوق ، أكنتم تتوقّفون فيه أم لا؟