٢ ـ الحاجة إلى التربية
يحتاج إلى التربية كل كائن حي ينمو ويكبر ، ويتعلم ويزداد قوة ، ويتأثر بالتدريب والتوجيه. والكائنات قسمان : جامدة وحية. أما الكائنات التي نحسبها جامدة ، والتي لا تتغذى ولا تنمو ، فلا تخضع لأي عملية تربوية. وأما الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان فهي التي تخضع للتربية ، ويجعلها المربون حقلا لأعمالهم. ولكل كائن ما يناسبه. وأبسط هذه الكائنات وأقلها حاجة إلى التربية النبات. وأشدها تعقيدا وأكثرها حاجة إلى التربية الإنسان. وإليك تفصيل ذلك :
أ ـ تربية النبات :
لا يهتم الناس بتربية كل أنواع النبات ، وإنما يهتمون بتربية أنواع مخصوصة تفيدهم في الغذاء أو البناء أو يصنعون منها الألبسة والمفروشات ، أو يتمتعون بالنظر إلى أوراقها الخضراء وأزهارها الجميلة ويبتهجون باستنشاق روائحها الشذية.
وأول ما يجب على من يريد تربية بعض النباتات أن يحدد الغاية من تربيتها ، وهل يقصد التغذي بها ، أو الحصول على ثمارها ، أو الانتفاع بأخشابها ، أو غير ذلك؟
ثم يجب أن يدرس تركيب التربة التي يريد زراعتها ويختار المزروعات المناسبة لها. فالتربة تختلف في تركيبها والعناصر المؤلفة لها ، كما تختلف في ألوانها. وقد جعل الله هذا الاختلاف كالاختلاف في ألوان الثمار آية على قدرته. قال سبحانه وتعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ (٧) بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٨).
ولما كان الماء الذي يروي المزروعات متماثلا في تركيبه في كل الأصقاع ، فإن اختلاف التربة من مكان إلى آخر يجعل النباتات مختلفة في أشكالها وألوانها ، بما أودعه الله في كل منها من الخاصية التي تجعله يمتص من التربة العناصر المناسبة له دون غيرها. قال تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً (٩) وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها (١٠) قِنْوانٌ دانِيَةٌ (١١) وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً