ويرمز رمي الجمار إلى القضاء على الشر ودحر الشيطان الذي ظهر لابراهيم ـ عليهالسلام ـ حين ذهب بابنه ليمتثل ما رآه في نومه ، وحاول أن يثنيه عن عزيمته ، فرماه بحصيات من الأرض. وما زالت الأماكن الثلاثة التي ظهر فيها ترمى بالجمار ؛ ليكون ذلك تصميما على محاربة الشيطان ودحره ومقاومة الشر واستئصال الفساد.
٣) ـ ويتعرض الحاج للمشاق في سفره ، فيتعلم الصبر. ويحرم عليه أثناء الإحرام حلق الشعر وقلم الأظافر والطيب وصيد البر ؛ فيتعلم الزهد والعفة ، وينقطع للعبادة والتلبية. كما يحرم عليه الكلام البذيء والتسبب في إيذاء الناس حتى بالجدال قال الله تعالى :
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (٤١٣)
وهذا يعلمه الحلم ، ويعوده على طيب الكلام ومحاسن الأخلاق.
٤) وتتجلى الآثار الاجتماعية في اجتماع أكبر عدد من المسلمين في مكان واحد ، فتمحى الفوارق من بينهم ، ويتساوى الغني والفقير والشريف والوضيع والأمير والرعية ، وتزول الشارات التي تميز بعضهم عن بعض. ويظهر الجميع بأبسط مظهر وأبعده عن التكلف والاختيال. ثم يطوفون حول الكعبة باتجاه واحد ، ويتجهون إليها في صلاتهم ؛ فيعلمون أنهم أبناء أمة واحدة ، وأنه لا يجوز أن يبقوا متفرقين. قال الله تعالى :
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٤١٤)
والحكمة من وقوف جميع الحجاج في عرفات في التاسع من ذي الحجة أن يشعروا بالرابطة التي تجمعهم ، وأن يتعارفوا فيما بينهم ، وأن يعملوا على مقاومة الطغيان ونشر الإسلام والنهوض بالمسلمين. كما إن اجتماعهم هناك يمكنهم من الاطلاع على ما قام به العلماء والمفكرون من التجارب والأبحاث ، وعلى ما يقع في الشرق والغرب من الأحداث ، وهذا الاطلاع الشامل يؤدي إلى مزج الثقافات وتلقيح الأفكار وتقدم العلوم ، ويمكن من التخطيط الشامل للقضاء على أسباب التخلف ، وللنهوض بالأمة ورفع شأنها.
ولهذا يعد الوقوف بعرفة أهم أركان الحج ، ومن لم يقف ولو لحظة بين ظهر يوم عرفة وفجر اليوم التالي في عرفات ، فقد فاته الحج. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :