ثالثا الأخلاق
تعتبر الأخلاق أبرز مقومات التربية ، بل هي مظهر التربية وثمرتها المباشرة. ويقدر ما تكون أخلاق الإنسان حسنة ، فإنه يدل على التربية الرفيعة التي حصل عليها أما إذا كانت أخلاقه سيئة فإنه يدل على فشل تربيته ، أو إنه لم ينل منها ما يجعله إنسانا صالحا جديرا بالاحترام.
ولا تتكون الأخلاق في معزل عن المقومين السابقين ، إذ أنها ثمرة لكل من العقيدة والعبادة. فالعقيدة السليمة الراسخة تثمر الأخلاق الحميدة المتأصلة في فطرة الإنسان ، كما إن الأخلاق الفاضلة تدل على كمال الإيمان ودليل ذلك قول الرسول صلىاللهعليهوسلم :
«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (٤١٧)
وكذلك فإن العبادة الصحيحة التي يقوم به المسلم تجعل أخلاقه حميدة كما بينا في البحث السابق. وقد ربط الرسول صلىاللهعليهوسلم بين العقيدة والعبادة من جهة ، وبين الأخلاق من جهة ثانية بقوله :
«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» (٤١٨)
فقد أوضح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في هذه الحديث أن المسلم الذي يقيم أركان الإسلام ، ويؤدي العبادات المفروضة ، يصبح مسالما ، لا يتعرض لأذى أحد بلسانه أو يده ، وأن المؤمن يصبح أمينا على نفوس الناس وممتلكاتهم ، فلا يعرض أحدا للقتل ، ولا يعرض مال أحد للضياع.
أما إذا ادعى أحد الإيمان ورآه الناس يقوم بفروض الإسلام ، وكانت معاملته سيئة وصفاته قبيحة ، فيكون منافقا يظهر خلاف حقيقته ، أو تكون عبادته مجرد طقوس غير مقبولة في ميزان الحق. فقد ذكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن امرأة كثيرة الصوم والصلاة ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال : «هي في النار» (٤١٩).
والأخلاق تستمد من الشرع ، فما حسنه الشرع كان حسنا وفضيلة ، وما قبحه الشرع كان قبيحا ورذيلة وليست رد فعل لغريزة في الإنسان ، أو انعكاسا لوضع المجتمع ، وليست من وضع الطبقة المستغلة فيه. ولهذا فإن الأخلاق ثابتة وليست