متغيرة من عصر إلى آخر ، فالحق لا يصبح باطلا ، والفضيلة لا تنقلب رذيلة. وفطرة الإنسان وخصائصه الأساسية لم تتغير منذ أن وجد في الأرض. وما نشاهده من اختلاف بين القيم الخلقية عند الأمم المختلفة أو في العصور المتعاقبة ، يرجع إلى اختلاف الناس في معتقداتهم وفي النظم التي يحتكمون إليها. وليس كل ما تعارفه الناس في أي عصر أو مصر يكون حقا في ميزان العدل الإلهي. أما الجماعات التي تقوم على أساس الإسلام ، فإن الأخلاق التي ترتضيها وتربي أبناءها عليها ، لا تتبدل من عصر إلى آخر ، ولا تختلف بين شعب وغيره ؛ لأنها تستمد مبادئها الخلقية ونظام حياتها من الحق الأزلي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذا لا يدل على جمود المجتمع ، ولا يمنع من الرقي والتقدم ، ففي هذا الدين ما يؤدي إلى تقدم المجتمع الذي يحسن العمل به ، وما يدفع الى رقي الأمة التي تقوم على أساسه. ولكن هذا الرقي والتقدم يكونان ضمن إطار من التعاليم التي تمنع الزيغ والضلال ، وتوجه طاقات الإنسان نحو ما يفيده ، ويرفع من شأنه.
ولقد جعل الرسول صلىاللهعليهوسلم الدعوة إلى مكارم الأخلاق هدفا أسهم كل الرسل في تحقيقه فقال :
«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (٤٢٠).
وهذا يدل على اتفاق الرسل على القيم الخلقية رغم اختلاف الأمم التي أرسلوا إليها واختلاف العصور التي بعثوا فيها.
وليس أدل على مكانة ذي الخلق القويم من جعله محبوبا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قريبا من مجلسه يوم القيامة :
إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون (٤٢١) والمتفيهقون. قالوا يا رسول الله! قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما المتفيهقون؟
قال : المستكبرون» (٤٢٢).
أما ذو الخلق السيء فهو شر الناس. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره (٤٢٣)»
ولا بد من أن يكون المربي والداعية إلى الإصلاح حسن الخلق حتى يحبه الناس ويستجيبوا له. قال الله تعالى مخاطبا رسوله صلىاللهعليهوسلم :
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (٤٢٤).
ولهذا كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أحسن الناس خلقا ، وقد أثنى الله عليه بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). (٤٢٥)
ومن واجب كل المربين وكل الناس أن يقتدوا به ، ليحققوا أهداف التربية