٤ ـ الحلم والعفو
الحلم هو ضبط النفس ، ومنعها من الانفعال والثوران عند الغضب.
وهو يدل على قوة الإرادة ومضاء العزيمة. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس الشديد بالصرعة (٤٦٦) ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (٤٦٧) ويقصد بالعفو الصفح عن المسيء ، والتجاوز عن المعتدي. وقد أمر الله بالعفو فقال سبحانه : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ). (٤٦٨)
وعده من صفات المتقين فقال : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). (٤٦٩)
وجعله من صفات العقلاء الذين يفوزون بجنات الخلود :
(وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ). (٤٧٠)
كما امتن الله ـ سبحانه ـ على المتصفين بالعفو والحلم ، وأخبر عن حبه لهم فقال (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ (٤٧١) وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). (٤٧٢) وأشار إلى مغفرته لذنوبهم ورحمته بهم فقال :
(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤٧٣)
وهو لا يضيع أجرهم ، ولا يحب من ظلمهم :
(فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). (٤٧٤)
ويؤدي الحلم والعفو عن المسيء ومقابلته بالإحسان إلى طرح ما في صدره من عداوة ، وجعله صديقا مخلصا. قال تعالى :
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). (٤٧٥)
ويرفع العفو من شأن صاحبه ، ويعلي من منزلته ، ويجعل له مهابة وجلالا.
فإذا ظن أنه بالانتقام يعظم ويصان جانبه ، وأن الإغضاء والعفو لا يحصل به ذلك فهو واهم ؛ لأن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أخبر بأنه يزداد بالعفو عزا بقوله : «ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى» (٤٧٦).
وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم ينهى عن الغضب ، فقد جاء إليه رجل وقال له : أوصني. فقال : «لا تغضب ، فأعاد الرجل طلب الوصية ثلاثا ، وفي كل مرة يقول له : «لا تغضب» (٤٧٧).