وإذا هذب الإنسان نفسه وأصلحها أصبح من المتقين المفلحين ، وإذا دنس نفسه بالذنوب وقبائح العيوب أصبح من الفجار الخاسرين :
(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٦) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (٧)
وبين الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه لا بد من تلقي العلم ودراسة الفقه ليصبح الإنسان فقيها عالما ، فقال :
«يا أيها الناس! تعلموا ، إنما العلم بالتعلم ، والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (٨)
وقال الإمام الغزالي : (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات. ولما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «حسنوا أخلاقكم» (٩) وكيف ينكر هذا في حق الآدمي ، وتغيير خلق البهيمة ممكن ، إذ ينتقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس ، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية ، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد. وكل ذلك تغيير للأخلاق) (١٠)
ورغم قابلية الإنسان للتربية واستعداده لها ، فكثيرا ما يعتريه الفتور ، ويشعر بالملل والنفور. ولذا ينصح علماء التربية بتهيئة الطلاب قبل تقديم المعلومات إليهم ، ويوصون بجعلهم على حالة يشعرون فيها بالحاجة إلى التعلم ، فإذا ما تلقوا ما يحتاجون إليه بعدئذ ، فهموه وتأثروا به غاية التأثر. وإذا ما أصبح الطالب في مشكلة ، وأصبح يبحث عن حل لها ، وطلب من مربيه أن يساعده للخروج منها ، وأمده بالتوجيهات والعلوم المناسبة ، فإنه يتلقاها بكل حواسه ، ولا يفوته شيء منها.
وقد تحقق هذا المبدأ بنزول القرآن مفرقا ، وخاصة الآيات التي نزلت لحل مشكلة وبيان حكم شرعي فيما عرف بأسباب النزول. فكان الصحابة يتلقون تلك الآيات كتلقي الأرض العطشى لوابل المطر ، فيقبلون عليها يتلونها ويحفظونها ، ويمتثلون أحكامها بدون تردد أو تريث.
وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم يقتصد في الموعظة حتى لا يملها أصحابه ، ويتحين الأوقات المناسبة لذلك. وعلى هذه الطريق سار الصحابة حين أصبحوا يعظون التابعين ويعلمونهم. وكذلك فعل العلماء من بعدهم.
عن شقيق قال : كنا جلوسا عند باب عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ