ننتظره ، فمر بنا يزيد بن معاوية النخعي فقلنا : اعلمه بمكاننا. فدخل عليه ، فلم يلبث أن خرج علينا فقال : (إني أخبر بمكانكم ، فما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن أملكم. إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يتخولنا (١١) بالموعظة في الأيام مخافة السآمة (١٢) علينا (١٣).
وعن أبي وائل قال : كان عبد الله بن مسعود يذكرنا كل خميس فقال : (ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم. إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا (١٤).
وبذلك يكون من واجب المربين أن يهيئوا طلابهم قبل تقديم العلوم إليهم ، وأن يجعلوا التربية مناسبة لأعمار تلاميذهم ومستواهم العقلي واهتماماتهم وميولهم ، وأن يجعلوا طريقتهم موافقة للذين يربونهم وأن يربوا الصغار بطريقة تناسب طبيعتهم وعقولهم ، والكبار بالشكل المفيد لهم ، وأ لا ينظروا إلى الطفل نظرتهم إلى الرجل الكبير.
وقد أدرك مربونا الكبار مبدأ الفصل والتفريق بين العلوم والمواضيع المختلفة ، ونهوا عن تعليم أي موضوع قبل الفراغ مما قبله.
قال ابن سحنون : (ولا يجوز أن ينقلهم من سورة إلى سورة حتى يحفظوها بإعرابها وكتابتها (١٥)
ونهى القاضي أبو بكر بن العربي أن يخلط في التعليم علمان إلا أن يكون المتعلم قابلا لذلك بجودة الفهم والنشاط (١٦).
وقال الشيخ عبد الباسط العلموي المتوفى في دمشق سنة ٩٨١ ه.
(ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين أو أكثر إذا لم يضبطهما ، بل يقدم الأهم فالأهم. وإذا غلب على ظنه أنه لا يفتح عليه في ذلك الفن ، أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فلاحه فيه) (١٧)
وكذلك نص ابن خلدون على مبدأ الفصل بين المسائل والعلوم المختلفة وعدم تعليم شيء قبل اتقان ما سبقه لئلا يؤدي ذلك إلى اضطراب الذهن وخلط الموضوعات بعضها ببعض ، فقال :
(ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه من أوله إلى آخره ، ويحصل أغراضه ، ويستولي منه على ملكة بها ينفذ في غيره. لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول ما بقي ، وحصل له نشاط في طلب المزيد