والنهوض إلى ما فوق ، حتى يستولي على غايات العلم. وإذا خلط عليه الأمر عجز عن الفهم وأدركه الكلال ، وانطمس فكره ، ويئس من التحصيل ، وهجر العلم والتعليم والله يهدي من يشاء.
وكذلك ينبغي لك أن لا تطول على المتعلم في الفن الواحد بتفريق المجالس وتقطيع ما بينها ، لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض ، فيعسر حصول الملكة بتفريقها. وإذا كانت أوائل العلم وأواخره حاضرة عند الفكرة مجانبة للنسيان كانت الملكة أيسر حصولا وأحكم ارتباطا وأقرب صبغة ، لأن الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره. وإذا تنوسي الفعل تنوسيت الملكة الناشئة عنه. والله علمكم ما لم تكونوا تعلمون.
ومن المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في التعليم أن لا يخلط على المتعلم علمان معا ، فإنه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما ، لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر ، فيستغلقان معا ، ويستصعبان ويعود منهما بالخيبة ، وإذا تفرغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرا عليه فربما كان ذلك أجدر بتحصيله. والله ـ سبحانه وتعالى ـ الموفق للصواب) (١٨).
أما في بلاد الغرب فكانت التربية تتم بطريقة شكلية دون مراعاة لطبيعة الطفل وميوله ، وكان الطفل يعتبر رجلا صغيرا لا يختلف عن الكبير في الميول والقوى العقلية.
وبقي الأمر كذلك حتى ظهرت الحركة الواقعية الحسية ، فأصرت على دراسة الطفل وتكييف عملية التربية تبعا لميوله ، رغم أن معرفتهم بنمو عقل الطفل وبتطور مظاهر نشاطه كانت محدودة (١٩).
ومما قاله" كومينوس" (١٥٩٢ ـ ١٦٧٠ م) :
(يجب أن ندرس الأشياء كلها ، ولا نعلم أكثر من شيء واحد في المرة الواحدة (٢٠))
ومن تعاليم" روسو" المولود عام ١٧١٢ م : إن التربية تبدأ بالطفل ، وإن هدفها هو تكوين أخلاق الطفل وتنظيم علاقاته الاجتماعية ، وإن أسلوبها تحدده طبيعة الطفل (٢٠)
ويعتبر جون لوك عالم النفس الإنكليزي الذي امتدات حياته بين عامي (١٦٣٢ ـ ١٧٠٤ م) أول من كتب كتابا في التربية يهتم اهتماما كبيرا بالطفل (٢٠)