وهكذا نشأت روح عطف على الأطفال ومعرفة لعقل الطفل وميوله وقدراته ، مما كان يجهله القدامى في العصور السابقة. فأعلن" بستالوتري" أن مشكلة التربية يجب دراستها من ناحية علاقتها بنمو عقلية الطفل ، وقال في ذلك : «فمهما يحاول الإنسان أن يفعل في تربية الطفل فلن يستطيع أن يعمل أكثر من أن يساعده في جهوده التي يبذلها هو في سبيل تنمية شخصيته. وإن سر التربية العظيم هو أن نفعل ذلك بحيث يكون تأثير التربية متناسبا دائما مع نمو الملكات التي لم تتفتح بعد ومتناسبا مع طبائعها. لذلك يجب أن تكون المعارف التي تقدمها التربية للأطفال جارية على نظام معين من التتابع ، فيتلو بعضها بعضا بحيث يكون أولها مناسبا لأول الملكات تفتحا ، وبحيث يكون التقدم في الإلمام بهذه المبادئ موازيا لنمو الطفل (٢١)
وأكد" فروبل" على أن الطفل وميوله وخبراته ومظاهر نشاطه هو نقطة البداية ، وأن التربية تبدأ بالنشاط الذاتي لدى الطفل (٢١).
وهكذا سبق الإسلام إلى مبدأ التهيئة والإعداد في التربية كما سبق إلى مبدأ الفصل والتوزيع بين مواد التربية وعدم جعلها متلاحقة.
وبعد أن اهتدى المربون إلى هذا المبدأ أصبحوا لا يقدمون المعارف إلى طلابهم بدون إعداد لهم ، وإنما يضعونهم في ظروف ، ويوقعونهم في مشكلات تجعلهم يلتمسون إيجاد الحلول لها ، ويفكرون للخروج منها. فإذا ما توصلوا إلى الحل الصحيح ، وكان تفكيرهم سليما لقوا التشجيع والتأييد. وإذا ما تعثروا في سيرهم ، وأخطؤوا في حكمهم لقوا التوجيه والتسديد. وإذا ما طلبوا التوضيح ، وسألوا عما يعينهم في انجاز مهمتهم قدمت إليهم المعلومات المناسبة ، فترسخ في أذهانهم ، وتستقر في أفهامهم.
ولو أنصف هؤلاء المربون لاعترفوا بسبق القرآن والسنة إلى هذه المبادئ التربوية ولأقبلوا عليهما بالدراسة والبحث ولجعلوهما أساسا في العلم والعمل ومنهاجا في التربية غير أن البلاد المتأخرة لا تزال بعيدة عن هذا المنهج ومائلة عن هذه الطريقة ، إذ تعهد بالتربية إلى أشخاص غير أذكياء ، ليلقنوا تلاميذهم دروسا ليسوا بحاجة إليها وليست مناسبة لهم ؛ فيسيئون إليهم وإلى مجتمعهم ، ويجعلون الذكي فيهم بليدا والنابه غافلا ، لا يتعلم سوى دروس يمل من تكرارها ويود بعد خروجه من قاعة الامتحان نسيانها ، لأنها أتعبت دماغه وأسقمت جسمه. وإذا ما أكمل الطالب دراسته وحصل على شهادته ، ودخل معترك الحياة وخاض في غمارها ، فإنه لا يجد فيما تعلمه درسا يفيده أو بحثا ينفعه ، فيجعل الحصول على وظيفة في إحدى الدوائر