٢ ـ التدرج في التربية
يعني هذا المبدأ الانطلاق من السهل إلى الصعب ، والانتقال من البسيط الجلي إلى المعقد الخفي ، ومن المألوف المعروف إلى الغريب المجهول ، ومن الأسس والمبادئ العامة إلى التفصيل والفروع الجزئية. كما يعني جعل التربية على خطوات يتلو بعضها بعضا.
وقد اعتمد الرسول صلىاللهعليهوسلم على هذا المبدأ في دعوته ، إذ لم يبدأ بتشريع الأحكام التي تنظم علاقة الإنسان بغيره ، ولم يستهل الدعوة بصياغة نظريات لإصلاح الفرد والمجتمع ، ولا وضع قوانين في نظام المال ونظام الحكم بل لم يبدأ بتفصيل أحكام العبادات وبيان شروطها وأركانها وسننها ، وإنما بدأ بأساس ذلك كله وهو العقيدة واستمرت الآيات ثلاث عشرة سنة تنزل في النهي عن عبادة الأصنام وعن الشرك بالله ، والأمر بعبادة الله الواحد وطاعته ، وتحث على العمل بشريعته ، وتدعوا إلى الإيمان باليوم الآخر ، وتبشر المؤمنين بالجنة وتخوف الكافرين بالعذاب والنار ؛ حتى دخل الناس في الإسلام ، وأصبحوا على استعداد لفعل ما يؤمرون به وترك ما ينهون عنه.
وحينئذ نزلت الآيات بالأحكام الشرعية التي يحتاجون إليها.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل (٢٣) فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب (٢٤) الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنى أبدا (٢٥)».
وأوضح مثال على هذا المبدأ الخطوات التي أدت إلى تحريم الخمر إذ كان العرب مولعين بشربها ، وكانوا يعدونها من المؤن الضرورية ، ويتناولونها في الصباح والمساء والليل والنهار وحين السرور والحزن. والخمر أم الخبائث فهي تضر بالصحة ، لأنها تتلف المعدة ، وتؤدي إلى تشمع الكبد وتصلب الشرايين وتذهب العقل ، وتشل الأعصاب ، وتجعل من يتناولها يسيء إلى أقاربه وأصحابه ، فيصبح الأصدقاء المتحابون أعداء متباغضين. وما يحدث بسببها من الخسائر المادية لا يحتاج إلى بيان. ومبادئ الإسلام تقضي بتحريمها لما فيها من أضرار. ومع ذلك فلم تحرم إلا بعد مضي خمس عشرة سنة من بدء الوحي. وكان تحريمها بالتدريج وأثر حادثة تقتضي الحكم الشرعي في كل مرة.