الصباح بعد صلاة الفجر. ولم يعد بإمكانهم أن يشربوها من الزوال إلى العشاء لضيق الوقت بين الصلوات في ذلك الحين ، فلو سكر أحدهم بعد الظهر لدخل وقت العصر قبل أن يصحو من سكره ، ولو سكر بعد العصر لأضاع صلاة المغرب ، وكذلك لو سكر بعد المغرب لأضاع صلاة العشاء.
والخطوة الرابعة حرمت الخمر والميسر تحريما قطعيا بقوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ (٣٠) وَالْأَزْلامُ (٣١) رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٣٢)
وسبب النزول يرويه سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ بقوله :
«أتيت على نفر من المهاجرين فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمرا ، وذلك قبل أن يحرم الخمر ، فأتيتهم في حش (٣٣) وإذا رأس جزور مشويا عندهم ودن من خمر ، فأكلت وشربت معهم ، وذكرت الأنصار والمهاجرين فقلت : المهاجرون خير من الأنصار ، فأخذ رجل لحي الرأس فجدع أنفي بذلك ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته ، فأنزل الله في شأن الخمر الآية» (٣٤).
فما إن نزلت هذه الاية حتى كفوا جميعا عن شرب الخمر ، وأهرقوا ما عندهم منها وكسروا قلالها.
عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ والبسر (٣٥). فإذا مناد ينادي! قال : اخرج فانظر. فاذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت. فجرت في سكك المدينة. فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها فهرقتها (٣٦).
وبهذه الطريقة المحكمة وبهذا المنهج الفذ والمبدأ القويم أمكن إصلاح الناس وتهذيب النفوس والقضاء على العادات السيئة.
ولقد نص علماؤنا على ضرورة الأخذ بهذه الطريقة.
قال الإمام الغزالي وهو يبين آداب المتعلم ووظائفه ويوصيه بمراعاة الترتيب والتدريج في تحصيل العلوم :
(أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة ، بل يراعي الترتيب ، ويبتدئ بالأهم. فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبا فالحزم أن يأخذ من كل شيء