٣ ـ مراعاة الفروق الفردية
لا ينكر اختلاف الناس في ذكائهم ومواهبهم وفي ميولهم وقدرتهم ، فمنهم الذكي والغبي والنابه والغافل ... فإذا أهملنا الفروق التي بينهم ، وحاولنا تربية الجميع على صعيد واحد ، أدى ذلك إلى ضياع الجهد وعدم تحقيق الفائدة المتوخاة. وذلك أن الذكي المجد إذا لم نقدم له ما يحتاج إلى التفكير ، وإذا لم تتناسب دروسه مع مستوى ذكائه ، فإنه يشعر بالملل ، وينصرف عن الدرس ، أو يتبلد ذهنه ، ويصبح كمن هو أدنى ذكاء منه. كما إن متوسط الذكاء إذا قدم له ما يصعب عليه فهمه فإنه يشعر بالإحباط ، ويتعذر عليه متابعة التعلم.
وقد سبق الرسول صلىاللهعليهوسلم كبار المربين إلى العمل بهذا المبدأ ، فكان يخاطب كل قوم على قدر عقولهم ، ويؤتيهم من الحكمة ما يتناسب مع أفهامهم ، وينهى عن تكليم الناس بما لا يفهمونه ولا يتصورون حقيقته. قال صلىاللهعليهوسلم :
«نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ، ونكلمهم على قدر عقولهم» (٤١)
«كلموا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله» (٤٢)
«ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفقهونه إلا كان فتنة عليهم» (٤٣).
فالعلم جوهرة ثمينة لا يعلم قدرها إلا الخبير بالجواهر. وهو الذي يصونها ، ويزين بها من يستحقها وهذا ما عناه الرسول صلىاللهعليهوسلم حين قال : «قام أخي عيسى ـ عليهالسلام ـ في بني اسرائيل فقال :
«لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم» (٤٥)
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال :
«وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب» (٤٦)
وقد أدرك مربونا الأفاضل هذا المبدأ ، ونصوا على وجود مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب :
قال الإمام الغرالي في بيان تفصيل الطريق إلى تهذيب الأخلاق :
«فكذلك الشيخ المتبوع الذي يطيب نفوس المريدين ، ويعالج قلوب المسترشدين ، ينبغي أن لا يهجم عليهم بالرياضة والتكليف في فن مخصوص وفي طريق مخصوص ، ما لم يعرف أخلاقهم وأمراضهم وكما إن الطبيب لو عالج جميع