٤ ـ وسائل المعرفة
يتعلم الإنسان بوساطة حواسه وعقله. فالحواس هي منافذ العقل على الكون ، والعقل يدرك المعلومات التي تنقلها إليه الحواس ، ويرتبها ويستنتج ما بينها من صلات وارتباطات ، ويحتفظ بها ، ثم يتذكرها في الوقت المناسب. وحين يتعلم الطفل الكلام ، ويفهم معاني الألفاظ التي يسمعها ، يصبح بالإمكان نقل معارف الآخرين إليه ، وبذلك يكتسب خبرات غيره ، ويطلع على ما لديهم من علوم.
وبإمكان الإنسان إذا تأمل في الأشياء التي يراها ، وفكر في العلاقات التي تحكمها أن يستنتج قوانينها ، ويحسن الانتفاع بها.
وأهم مصادر المعرفة الخبر الصادق الذي يسمعه المرء من غيره ، والرؤية المتيقنة التي رآها ببصره ؛ غير أنه لا يصبح ما سمعه المرء من الأخبار وما رآه من الأشياء معرفة حتى يدركه عقله ، وينظم العلاقة بينه وبين ما تلقاه من قبل.
قد أشار القرآن الكريم إلى وسائل المعرفة في الآية :
(وَلا تَقْفُ (٤٧) ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً). (٤٨)
فقد نهانا الله في هذه الآية عن اتباع ما لا نعلمه ، وبين أن العلم يأتي بطريق السمع والبصر والفؤاد. والفؤاد هو القلب ، ولا يقصد به في هذه الآية وأمثالها تلك العضلة الصنوبرية الشكل الموجود في الجانب الأيسر من الصدر ، والتي تدفع الدم إلى أنحاء الجسم ، وإنما يقصد به ماله صلة بالعقل ، وما هو مناط التفكير. وهو كما يقول الغزالي «لطيفة ربانية روحية ، لها بالقلب الجسماني تعلق. وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان. وهو المدرك العالم العارف من الإنسان. وهو المخاطب والمطالب والمعاقب والمعاتب» (٤٩).
ومسؤولية الإنسان عن عقله وحواسه تقتضي منه المحافظة عليها واستخدامها فيما خلق لأجله ، وتقتضي منه تنمية قواه الفكرية وتوجيهه نحو ما ينفعه. ومسؤوليته هذه تحتم عليه ألا يقبل شيئا بلا برهان ، ولا يتبع احدا بغير دليل. وبذلك تتسع معارف الإنسان ، ويصبح عالما. وقد سئل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بم نلت العلم؟ فقال : بلسان سؤول وقلب عقول (٥٠).