٣ ـ أهداف التربية
إن تحديد الهدف أمر أساسي في كل عمل. وبعد أن يتم توضيح الهدف ، وتوجد القناعة بأهميته ، تبين الطريق المؤدية إليه ، ويبدأ السير مرحلة بعد مرحلة ، وخطوة بعد خطوة ، حتى الوصول إلى الغاية وتحقيق الهدف المرسوم وما لم يكن هذا فإن الجهود تتبعثر والخطوات تتعثر ، ويصبح المرء كمن يدور في حلقة مفرغة ، فيضل ويتثاقل إلى الأرض ولا يرغب في بذل أي جهد.
ومثال ذلك أنك لو طلبت من مجموعة من الناس أن يسيروا على طريق لا يعلمون طوله ، ولا الغاية التي يبلغونها بعد قطعها ، فإنك مهما حاولت أن تحثهم على متابعة السير ، تجدهم يميلون إلى تقصير الخطوات ، ويبدو عليهم التعب ، ويرغبون في الجلوس والرجوع. أما لو كانت الطريق بطول يقطعه المرء في ساعة أو ساعتين ، وكانت تتنهي بحديقة فيها الطعام اللذيذ والماء العذب والمناظر الجميلة والألعاب الممتعة ، وكانوا بوصولهم إليها تفتح لهم أبوابها ، ويقدم إليهم كل ما يرغبون فيه بدون مقابل ، وكان لديهم دافع إلى الطعام والشراب أو المتعة والتسلية ، فإنهم يسيرون بأقصى سرعة ، ولا يشعرون بأي تعب ، ويتسابقون في الوصول إليها.
وكذلك حين يتم تحديد هدف التربية بشكل صحيح ، ويكون هذا الهدف واضحا للمريبين ومقبولا من الذين يعلمون في حقلها ويتأثرون بها ، وتوضع الوسائل المؤدية إليه ، ويبدأ العمل بأساليب محكمة ؛ فإن التربية تؤتي ثمارها ، وتصبح ذات أثر كبير في رقي الأمة وازدهار المجتمع.
فوضوح الهدف والرغبة في تحقيقه هو الأساس الأول ، وتعيين الطريق الموصلة إليها والوسائل اللازمة لبلوغه هو الأساس الثاني. وبدون ذلك لا توجد تربية نافعة ولا تظهر لها ثمار يانعة.
وإذا استعرضنا الأهدف التي نادى بها المربون في أوربا في العصر الحديث نجدها متعددة ومختلفة بحسب النزعة الفكرية لكل منهم :
" فكومينوس" الذي يعد من أهم ممثلي الحركة الواقعية في التربية في القرن السابع عشر جعل الهدف من التربية هو مساعدة الإنسان على الوصول إلى السعادة الأبدية ، وذلك بالإتصال بالله. وكان المربون في عصره يرون أن التربية تساعد على الوصول إلى تلك الغاية بتحطيم الغرائز والشهوات الطبيعية والعواطف ، وسلوك