الله. وكان أحدهم يعمل في التجارة أو الزراعة أو في إحدى الحرف لينفق على نفسه وعياله ، ويقنع بالقليل من الكسب ، ثم يجلس إلى طلاب العلم ، يعلمهم مما علمه الله وهو يرى نفسه يقوم بأعظم القربات.
ولم يكونوا يعدون الذين يأخذون على العلم أجرا من العلماء ، إذ قالوا :
لا يكون العالم عالما حتى تكون فيه ثلاث خصال : لا يحتقر من دونه ، ولا يحسد من فوقه ولا يأخذ على العلم ثمنا (٨٢).
وكان العلماء يوصون بالتنزه عن جعل العلم وسيلة لشيء من الأغراض الدنيوية قال الإمام الشيخ بدر الدين ابن جماعة في بيان آداب العالم في نفسه :
(أن ينزه علمه عن جعله سلما يتوصل به إلى الأغراض الدنيوية من جاه أو مال أو سمعة أو شهرة أو خدمة أو تقدم على أقرانه.
وكذلك ينزهه عن الطمع في رفق من طلبته بمال أو خدمة أو غيرهما بسبب اشتغالهم عليه وترددهم إليه) (٨٣).
وكان الخلفاء والأمراء يخصصون لطلاب العلم ما يكفيهم من النفقات عن يحي ابن أبي كثير قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله أن أجروا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم للطلب (٨٤)
وكان الأغنياء يوقفون لطلاب العلم المعاهد التي يتعلمون فيها والمهاجع التي يبيتون فيها ، ويقدمون لهم الطعام واللباس وكل ما يحتاجون إليه. ولا تزال بقايا تلك المعاهد ماثلة في كثير من المدن الإسلامية حتى الآن.
أما الأجور التي كان يتقاضاها المعلمون في الكتاتيب من أولياء الأولاد الذين يتعلمون فيها فلا تتناقض مع مبدأ مجانية التعليم ؛ لأن المعلمين كانوا يأخذون أجرة مقابل قيامهم بعمل محدد هو تعليم الولد ، وكانوا ينقطعون للتربية والتعليم ، ولا يشتغلون بغير ذلك.
قال محمد بن سحنون : (لا بأس أن يستأجر الرجل المعلم على أن يعلم أولاده القرآن بأجرة معلومة إلى أجل معلوم ، أو كل شهر ، وكذلك نصف القرآن أو ربعه أو ما سميا منه).
وقال أيضا : (ولا بأس بالرجل يستأجر الرجل أن يعلم ولده الخط والهجاء وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يفادي بالرجل يعلم الخط) (٨٥).
وكانت تلك الأجور يسيرة لا ترهق أحدا من الناس. وكان المعلمون لا يطالبون