الفقراء واليتامى بشيء. وكان يساوون بين أبناء الأشراف والفقراء في التعليم ، قال الإمام سحنون : (يجب العدل في التعليم ، ولا يفضل فيه بعضهم على بعض ولو تفاضلوا في الجعل (٨٦) أي في الأجرة التي يدفعونها.
وهكذا كان كثير من الشيوخ والمعلمين يحرصون على نشر العلم بدون أجر ، وكان بعضهم لا يرى بأسا في قبول أعطيات من الولاة أو الحصول على أجور زهيدة من التلاميذ ، أو الاستفادة مما تدره المزارع والمحلات الموقوفة للمعلمين وطلبة العلم.
وقد بعث عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ـ يزيد بن أبي مالك والحارث بن أبي محمد إلى البادية ليعلما الناس السنة ، وأجرى عليهما الرزق ، فقبل يزيد ، ولم يقبل الحارث وقال : (ما كنت لآخذ على علم علمنيه الله أجرا) فذكر ذلك لعمر فقال : (ما نعلم بما صنع يزيد بأسا ، وأكثر الله فينا مثل الحارث) (٨٧).
مجانية التعليم في بلاد الغرب :
على الرغم من تقرير مجانية التعليم عند المسلمين ، فإن بلاد الغرب لم تعمل بهذا المبدأ حتى القرن التاسع عشر :
ففي الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن أي مدرسة مجانية حتى ١٨٠٥ ، حيث نظمت" جمعية المدارس الحرة" التي سميت فيما بعد جمعية المدارس الشعبية بزعامة عمدة مدينة نيويورك مدرسة مجانية. وكان الهدف منها فتح أبواب التعليم المجاني لأبناء الفقراء الذين لم يوفقوا في الالتحاق بمدارس الكنيسة الموجودة. ولم تستقر فكرة المدارس المجانية فيها حتى صدر قانون سنة ١٨٦٧ بالغاء دفع أجور التعليم في المدارس العامة. ولم يتم هذا في بعص الولايات (٨٨).
وفي ألمانيا جعل التعليم اجباريا سنة ١٧٦٣ وعدلت قوانين المدارس البروسية سنة ١٨٢٥ ، ١٨٥١ ، ١٨٧٢ لتنص على زيادة مساهمة الحكومات المركزية في مساعدة المدارس وإلغاء دفع الآباء أجورا على التعليم.
وفي فرنسا جعل التعليم مجانا سنة ١٨٨١ وبعد ذلك بسنة جعل إجباريا (٨٩).
وبذلك يتضح سبق الإسلام إلى مبدأ الزامية التعليم ومجانيته ، وكان ذلك في عصر غلبت فيه الأمية على الناس ، وكان العلم قاصرا على الأمراء والوجهاء فلما دخل الناس في هذا الدين أقبلوا على العلم ينهلون من معينه بدون تمييز بين شريف وحقير وغني وفقير ؛ مما أدى إلى تلك النهضة العلمية الرائعة التي نفخر بها على مر الزمن.