وبعد ذلك يجب على الطلاب أن يراجعوا دروسهم ويذاكروها من حين إلى آخر حتى لا ينسوها. قال الشيخان العلموي وابن جماعة :
«ويجب على المتعلم أن يذاكر من يرافقه من مواظبي مجلس الشيخ بما وقع فيه من الأدب والفوائد والضوابط والقواعد وغير ذلك ، ويعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم. وينبغي الإسراع بها بعد القيام من المجلس قبل تفرق الأذهان وتشتت الخواطر.
قال بعض الحكماء : من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علمه».
وقال الشاعر :
إذا لم يذاكر ذو العلم بعلمه |
|
ولم يستفد علما نسي ما تعلما |
فكم جامع للكتب في كل مذهب يزيد |
|
مع الأيام في جمعه عمى (١١٤) |
وقال السيد محمد هاشم الندوي ناشر كتاب تذكرة السامع والمتكلم :
«ويذاكر طالب العلم بمحفوظاته من يشتغل بالفن الذي يحفظ ، سواء كان مثله في المرتبة أو فوقه أو تحته. فإن بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر ويتأكد ويتقرر ويزداد بحسب كثرة المذاكرة.
ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أيام» (١١٥)
والليل هو الوقت المناسب لمذاكرة العلم ، فذلك يثبت العلم في الذهن ، ولا يمحوه شيء مما يطرأ بعده في وقت اليقظة. قال الشيخ العلموي : «وأجود الأوقات للمذاكرة الليل. وكان جماعة يبتدئون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا آذان الصبح ، فإن لم يجد الطالب من يذاكره ذاكر نفسه بنفسه ، فيعلق ذلك بخاطره إذا كرره ، فإن تكرار المعنى على القلب بتكرار اللفظ على اللسان.
ويجب على التلميذ أن يذاكر بمحفوظاته ويديم الفكر فيها ، ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد ، ويقسم أوقات ليله ونهاره ويغتنم ما بقي من عمره. وأجود الأوقات للحفظ الأسحار ، وللبحث الأبكار ، وللكتابة وسط النهار ، وللمطالعة والمذاكرة الليل» (١١٦).
وقال الخطيب : «أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة. وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار. ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع» (١١٦)
ولا يستحسن الخروج إلى الطرقات والبساتين للحفظ ، فهذا يشتت الذهن. قال الشيخ العلموي : «وأجود أماكن الحفظ الغرف ، وكل موضع بعيد عن الملهيات. وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق وضجيج الأصوات ، لأنها تمنع من خلو القلب غالبا» (١١٦).