والخطوة الرابعة في التعلم هي العلم بالعلم ، وتعليمه لمن يجهله. فالعمل يثبت العلم ، ويمكن صاحبه من تعلم المزيد. والعلم يزكو بالإنفاق. ولا بد من العمل بالعلم قبل نشره وتعليمه. ولقد أحسن أبو الأسود الدؤلي في قوله :
يا أيها الرجل المعلم غيره |
|
هلا لنفسك كان ذا التعليم |
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
وأبدأ بنفسك فانهها عن غيها |
|
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم |
فهناك تقبل إن وعظت ويقتدى |
|
بالقول منك وينفع التعليم |
تصف الدواء لذي السقام من الضنا |
|
كيما يصح به وأنت سقيم |
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا |
|
نصحا وأنت من الرشاد عديم (١١٧) |
وقد ذكر علماؤنا هذه الخطوات في التعلم. فقال فضيل بن عياض وابن المبارك ومحمد بن النضر الحارثي : «أول العلم الإنصات والاستماع ، ثم الفهم والحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر (١١٧).
وقال الأصمعي : (أول العلم الصمت ، والثاني الاستماع ، والثالث الحفظ ، والرابع العمل ، والخامس نشره) (١١٨).
وأنشد الشيخ قوام الدين حماد بن ابراهيم بن اسماعيل الغفاري الأنصاري لشيخه القاضي الخليل بن أحمد السجزي الحنفي في بيان طريقة التعلم :
أخدم العلم خدمة المستفيد |
|
وأدم درسه بفعل جهيد |
وإذا ما حفظت شيئا أعده |
|
ثم أكده غاية التأكيد |
ثم عقله (١١٩) كي تعود إليه |
|
وإلى درسه على التأبيد |
وإذا ما أمنت منه فواتا |
|
فانتدب بعده لشيء جديد (١٢٠) |
مع تكرار ما تقدم منه |
|
واقتناء لشأن هذا المزيد |
ذاكر الناس بالعلوم لتحي |
|
لا تكن من أولي النهى ببعيد |
إن كتمت العلوم أنسيت حتى |
|
لا ترى غير جاهل وبليد |
ثم ألجمت في القيامة نارا |
|
وتلهبت في العذاب الشديد (١٢١) |
وهكذا كان لمربينا فضل السبق على هربارت الذي وضع أربع خطوات لاكتساب المعرفة ، وزاد فيها اتباعه فجعلوه خمسا هي :
المقدمة ، والعرض والمقارنة والتجريد ، والتعميم ، والتطبيق (١٢٢).