٢ ـ التربية بالقصة
تعتبر القصة من أكثر أساليب التربية فعالية وأقواها أثرا وهي وسيلة مشوقة للصغار والكبار ، تحدث أثرها في النفس وهي تشعر بالمتعة وتجعل الإنسان ينجذب إليها ، وينتبه إلى كل أحداثها ؛ فلا يشرد بذهنه عمن يربيه. فإذا صدرت القصة عن الحكيم الخبير العليم ببواطن النفس وما يصحلها ، آتت ثمارها يانعة ، وحققت المرجو منها على أكمل وجه. ولهذا كثر الاعتماد على القصة في القرآن الكريم ، وكانت قصصه طويلة حينا وقصيرة أحيانا ، وهي دائما في القمة من حيث البلاغة والصور البيانية ، ومن الناحية الأدبية والفنية ، وبالنظر إلى مغزاها وآثارها التربوية :
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ). (١٢)
واختار مثالا على ذلك قصة يوسف عليهالسلام لشهرتها ، ولأنها مذكورة في موضع واحد ، هو السورة المسماة باسم هذا النبي الكريم ومعظم آيات السورة في بيان وقائع القصة وعبرها.
بدأت القصة بذكر رؤيا ، رآها يوسف في نومه وهو طفل صغير ، وأخبر بها أباه ففهم تعبيرها ، وبشره بما سينعم الله به عليه من العلم والفضل ، ونهاه عن إخبار إخوته بها لئلا يسيئوا إليه :
(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). (١٣)
(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً (١٤) إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ (١٥) رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ (١٦) وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ (١٧) إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (١٨)
ولعل يوسف كان يستأثر بقلب أبيه ، ولعل أباه كان يغمره بفيض حنانه لصغره ونجابته. ولعله زاد في تكريمه بعد تلك الرؤيا ؛ مما أوغر صدور إخوته عليه ، وجعلهم يمكرون به ، ويصممون على قتله أو تعريضه للهلاك بطرحه في أرض خالية مجهولة :
(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ