يوسف السجين : الضيق والفرج
أودع يوسف السجن ظلما ، بدلا من عقاب السيدة التي دبرت له تلك المكيدة ولكن المجتمعات الفاسدة تعاقب البريء وتطلق المذنب ، وتضيق على التقي ، وتوسع على الفاجر ، ولعل الحكمة من سجنه أن يذوق مرارة العيش بعد أن ذاق حلاوته ، وأن يعاشر البؤساء بعد أن عاشر الأثرياء وبذلك يعتدل مزاجه ، ويعد للمهمة الكبيرة التي تنتظره ، ويصبح على علم بأحوال المظلومين الذين ينتظرون من ينصفهم.
ورأى السجناء صلاح يوسف وإحسانه ، فقص عليه اثنان منهم رؤيا رأياها ، ففسرها لهما بعد أن دعاهما إلى عبادة الله الواحد ، ونهاهما عن الشرك به :
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ (٤٤) قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ (٤٥) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ (٤٦) خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (٤٧)
وهكذا يجب على المؤمن أن يكون داعية إلى الإيمان بلسان حاله ولسان مقاله في كل حين ، ولا يدع فرصة تفوته دون أن يغتنمها في الدعوة إلى الهدى والرشاد.
ولم ينس يوسف أن يطلب من الذي سيطلق سراحه أن يذكر قصته عند الملك. فلم يتذكره حتى رأى الملك رؤيا طلب من خواصه أن يفسروها له ، فلم يعلموا تأويلها فتذكر الفتى يوسف ، وطلب من الملك أن يرسله إليه ليأتيه بتعبير رؤياه :