قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ (٥٥) الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ. (٥٦) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ (٥٧) مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٨)
وبذلك تنتهي المرحلة الثالثة من حياته ، مرحلة السجن والإهانة ، وقد احتملها بنفس أبية صابرة حتى خرج من السجن معززا مكرما. وأصبح أهلا ليتولى شؤون البلاد والعباد. ويوفر الغذاء للجائعين ، وينشر العدل بين المظلومين.
وطلبه الولاية لم يكن ليحقق مكاسب لنفسه ، ويستغل عمله كما يفعل الجشعون ، وإنما كان ليقوم بمهمة جسيمة لا يصلح لها غيره ، وليتمكن من دعوة الناس إلى الإيمان وهو حاكم مطاع ، يأتيه الناس ويصدرون عنه بما يصلح أرواحهم وأجسامهم وأبرز الآثار التربوية في هذه المرحلة أن يحتمل الإنسان الشدة ، وأن يصبر على البلاء ، فلا يجزع لضر يصيبه ، ولا يبطر لخير يناله. وأن يتصف بالحلم والأناة كما فعل يوسف حين دعي للملك ، وأن يحرص على شرفه أكثر مما يحرص على متاع الدنيا
يوسف العزيز : العفو والكرم
نرى يوسف ـ عليهالسلام ـ في المرحلة الرابعة ، وهو يوزع الغلال على المعوزين خلال السنوات العجاف ، التي جعلت الناس يتوافدون عليه من كل حدب وصوب ليحصلوا على قوتهم. وحين أتاه إخوته عرفهم دون أن يعرفوه ، وأعطاهم ما جاؤوا لأجله ، ورد عليهم البضاعة التي قدموا بها ليجعلوها عوضا عما اشتروه. وطلب منهم أن يأتوه في المرة القادمة : بأخيهم الذي ضن أبوه عن إرساله معهم.