غير أن الصفات التي يحقق بها الفرد ذاته تختلف من واحد إلى آخر ، ومن مجتمع إلى سواه ، بحسب عقيدته وثقافته ونظرته إلى الوجود. فلا يمكن تحديد معايير موضوعية لتحقيق الذات ، وتكون مقبولة في كل البلدان والأزمان ثم إن هذه النظرية تجعل الأفراد في سباق وصراع دائمين لتحقيق الذات. وكل منهم يريد أن يتفوق على غيره ، ويتبوأ مكان الصدارة ، وهذا وإن كان له أثره الجيد في الرقي والتقدم ، إلا أنه يكون على حساب العلاقات الإنسانية والعواطف النبيلة التي تجعل الإنسان يفعل الخير دون أن تكون الأضواء مسلطة عليه ، ويأخذ بيد الضعيف ، ويساعد العاجز ، ويحسن إلى المحتاج بدون أن يرغب في جزاء أو ثناء سوى ما أعده الله للمحسنين وكان نتيجة هذه النظرية في المجتمعات الغربية تفكك المجتمع وانحلال الأسرة والتردي في حمأة المادية ، واضمحلال القيم التي تجعل الناس أخوة متحابين. أما تأثير النظرية على العلاقات بين الدول فهو أشد خطرا وأعظم وقعا ، إذ تجعلها في سباق جنوني لتملك أسباب القوة والهيبة. وهذا ما يؤدي إلى الحروب فيما بينها بدلا من أن يعم السّلام والأمن.
٣ ـ نظرية النمو :
قال الفيلسوف" كانط" : (إن هدف التربية هو أن تنمي لدى الفرد كل ما يستطيعه من كمال). ويعني بهذا الكمال العقلي ، وعلى الأخص الكمال الخلقي (٧٩) وتحرص هذه النظرية على إزالة كل ما يعيق النمو السليم ، وعلى توفير الوسائل التي تسهل نمو الجسم والعقل ، وتزيد مختلف القوى المادية والمعنوية للإنسان.
غير أنها لا تحدد الغاية من استكمال الإنسان نموه وقوته ، ولا تبين ما يعمله الإنسان بعد أن يجتاز فترة النمو المقدرة له. فكأن هذه النظرية تجعل الوسيلة هدفا ، وتتعامى عن الهدف الصحيح!
٤ ـ نظرية إعداد المواطن الصالح :
إن معظم النظم البشرية وكثيرا من حكام ورجال هذا العصر يجعلون إعداد المواطن الصالح هدفا للتربية. ويحاولون التوفيق بين حقوق الفرد وواجباته الاجتماعية ، وإيجاد توازن بينهما ، كذلك التوفيق بين" نمو الذات" وبين السعادة أو الرفاهية الاجتماعية.
وهذه النظرية إن كانت مقبولة داخل حدود الوطن الواحد ، فإنها غير مقبولة على مستوى الإنسانية ؛ لأن المواطن الصالح قد يعامل أبناء وطنه باحترام وتقدير ،