فقد ضرب النبي صلىاللهعليهوسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه ، وكذا كان حال الناس قبل مبعثهم ، وكما أن الغيث يحي البلد الميت ، فكذا علوم الدين تحي القلب الميت. ثم شبه السامعين له بالأرض التي ينزل فيها الغيث : فمنهم العالم العامل المعلم ، فهو بمنزلة الأرض الطيبة التي شربت الماء فانتفعت في نفسها ، وأنبتت فنفعت غيرها ، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه ، غير أنه لم يعمل بنوافله ، أو لم يتفقه فيما جمع ، لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء ، فينتفع الناس به ، ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ، ولا ينقله لغيره ، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها.
وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما ، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. والله أعلم (١٣٨).
وقال الرسول صلىاللهعليهوسلم في الحث على تلاوة كتاب الله :
«مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ، ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة ، لا ريح لها ، وطعمها حلو.
ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ، ريحها طيب ، وطعمها مر.
ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة ، لا ريح لها ، وطعمها مر» (١٣٩) ومن ذلك تصويره للتعاون والتناصر بين المؤمنين بقوله صلىاللهعليهوسلم :
«إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه» (١٤٠)
فكما أن البناء تتماسك أجزاؤه ، ويصبح كيانا واحدا ، لا يمكن فصل بعضه عن بعض ، فكذلك المؤمنون في اتحادهم وتعاونهم وتناصرهم. ولم يكتف الرسول صلىاللهعليهوسلم بهذا البيان الرائع ، وإنما أضاف إليه التشبيك بين أصابعه ليدل على أن المؤمنين يشد بعضهم بعضا. والتمثيل بالحركات أوقع في النفس من الكلام المجرد.
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام :
«ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» (١٤١).
فالمؤمنون يرحم بعضهم بعضا ، ويعطف بعضهم على بعض ، ويتوادون فيما بينهم ، فيصبحون كجسم واحد ، إن أصيب عضو منه بألم تألم له سائر الأعضاء.