ولا يتأثر الناس بقول العالم إلا إذا عمل بعلمه :
قال مالك بن دينار : (العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلب كما يزل الماء عن الصفا) (١٥١).
والعمل يمكن المرء من تعلم المزيد : قال النبي صلىاللهعليهوسلم :
«من عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم» (١٥٢).
ويبقى التعلم النظري باهتا ضعيف الأثر حتى يقترن بالتدريب العملي. فلتعلم قيادة السيارة مثلا لا يكفي أن تتعلم كيف تدير المحرك ، وكيف تجعلها تسير ، وكيف تغير السرعة ، ثم كيف توقف السيارة وتطفئ محركها نظريا ؛ بل لا بد من محاولة ذلك وتكراره عمليا لساعات طويلة حتى تكتسب المهارة المطلوبة.
ولقد اعتمد هذا الدين على التربية بالعمل من أول الدعوة ، فكان الواحد من الصحابة حين يعتنق الإسلام ، يدفعه الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى من يعلمه ما نزل من القرآن الكريم ، فيتعلم عشر آيات ، ويقول لمن يعلمه : دعني حتى أذهب وأعمل بهذه الآيات ، ثم أعود فأتعلم غيرها.
عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن).
وقال أبو عبد الرحمن السلمي : (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلىاللهعليهوسلم. وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا) (١٥٣).
وهكذا تلقوا القرآن بالعلم والعمل.
وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم يعلم أصحابه أحكام الدين بطريقة عملية كلما كانت هذه الطريقة هي الأجدى في تعليمها :
فلتعليمهم الوضوء لم يجلسهم أمامه ويكلمهم عن أركانه وسننه وآدابه وشروطه وإنما توضأ أمامهم ، وأمرهم بأن يتوضؤوا مثله ؛ وأصبحوا هم يعلمون غيرهم الوضوء بهذه الطريقة العملية البسيطة".
عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء (١٥٤) فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل كل رجل ثلاثا ، ثم قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال