وبذلك كان للمنهج الإسلامي في التربية فضل السبق على" لوثر" الذي نادى بأن تكون التربية العملية والعمل في إحدى المهن إلى جانب التربية النظرية ، ورأى أن يرسل الفتيان إلى المدرسة ساعة أو ساعتين في اليوم ، وأن يعلموا مهنة في البيت فيما تبقى من الوقت (١٦٢) وعلى" كومنيوس" الذي أطلق عليه بعضهم لقب المبشر الأول بالتربية الحديثة ، وامتازت طريقته بالعناية بالتمرينات العملية ، ورأى أن لا يكرر الدرس ويعاد على نحو آلي حتى يحفظ عن ظهر قلب ، بل أن يعتاد الطالب العمل المثمر والجهد الشخصي ؛ وقد قال في هذا المعنى : (إن أصحاب الحرف يعرفون هذه الحقيقة تمام المعرفة ، فليس بينهم من يقدم للمبتدئ دروسا نظرية عن مهنته ، بل تراهم يدعونه يتأمل ما يفعله المعلم ، ثم يضعون الآلات بين يديه ، ويعلمونه استخدامها. وبطرق الحديد يصبح المرء حدادا) (١٦٢)
كما كان له هذا الفضل على" لوك" المربي الإنكليزي الذي أراد أن يعلم تلميذه مهنة من المهن كالنجارة أو الزراعة ليهيء عن طريق هذا العمل الجسدي سلوى للفكر وفرصة للراحة والاسترخاء ، ويقدم للجسد تمرينا مفيدا ، ووجه عام ١٦٩٧ تقريرا إلى الحكومة الإنكليزية دعا فيه الى تنظيم بيوتات العمل للأطفال او الفقراء الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والرابعة عشر ، حيث يعملون ويقدم لهم الغذاء (١٦٢).
وعلى" روسو" الذي قال في القرن الثامن عشر : إني لا أمل تكرار تلك الحقيقة ، وهي : إن جميع دروس الأطفال يجب أن تكون بطريق العمل لا بطريق الألفاظ ، لا تعلمهم شيئا من الكتب يمكن أن يتعلموه بطريق الخبرة (١٦٣).
وعلى" فروبل" الذي قال في القرن التاسع عشر : (إن الوقت قد حان لأن نرفع أي عمل إلى منزلة النشاط الحر ، أي نجعله عملا يدل على الذكاء. وبذلك يصبح للعمل الإنشائي في المدرسة غرض أعظم وأعمق من مجرد التدريب الحسي أو نمو المهارة أو التمرين الجسمي أو التلقين بطريقة آلية أو اكتساب المهنة أو الحرفة ، بل يصبح أبرز صورة للتعبير عن الأفكار ، وأوضح طريقة لتكوين العادات أو تشكيل الأخلاق) (١٦٣)
وحين يكرر الإنسان الأعمال التي تعلمها مرات عديدة تصبح عادة متأصلة في نفسه. والإنسان يخضع لعادات كثيرة في حياته ، يقوم بها تلقائيا دون أن يعيرها كبير انتباه. ولذلك يحرص المربون على تكوين العادات الحسنة وترك العادات السيئة ولقد نظم الإسلام حياة الناس تنظيما شاملا ، سواء في شعائرهم التعبدية أو في شؤونهم اليومية ، فجعلهم يعتادون البدء بالجانب الأيمن من أعضائهم في كل أمر حسن