ويحافظ على حقوقهم ويصون كرامتهم ، ولكنه قد يحتقر أبناء الأوطان الأخرى ويسلب أموالهم. ولهذا فإن الأوربي المتأثر بهذه النظرية يحترم أبناء وطنه ، ويعاملهم معاملة إنسانية تتحقق فيها العدالة والمساواة. ولكنه حين يذهب إلى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية يصبح كالوحش المفترس ، يستعبد الناس ويذلهم وينهب ثرواتهم ، ويعيث في الأرض فسادا. وهو في هذا لا يتعدى الهدف المرسوم له.
وبعد هذا العرض والتلخيص لأهداف التربية المختلفة ، نعرج على هدف التربية في الإسلام ، ولا بد من استنباطه من القرآن والسنة.
هدف التربية في القرآن والسنة :
تهدف التربية بالقرآن والسنة إلى جعل الإنسان يحقق الغاية التي خلق من أجلها ، وهي عبادة الله سبحانه ، بدليل قوله تعالى :
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). (٨٠)
وعبادة الله لا تقتصر على الصلاة والصيام والزكاة والحج ، لأن هذه العبادات ـ وإن كانت أركان الإسلام ـ لا تستغرق حياة الإنسان كلها ، ولا تستنفد جهوده جميعها. والعبادة التي خلقنا الله لأجلها تشتمل كل طاعة يتقرب فيها العبد إلى ربه ، وكل عمل صالح يعود على صاحبه أو على غيره بالنفع ، ويقصد به وجهه الكريم. والعمل هو الذي يستغرق من الإنسان حياته ، ويجزى عليه بعد مماته. قال تعالى :
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ (٨١) أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). (٨٢)
والذي يقوم بالأعمال الصالحة يكون إنسانا صالحا. ولا يقتصر صلاحه على نفسه وأبناء وطنه ، بل يشمل الإنسانية جميعها والخلائق كلها.
وبذلك يكون هدف التربية في الإسلام هو إعداد الإنسان الصالح ، وهو الإنسان التقي الذي يعبد الله ويهتدي بهديه. وهو الذي يعمر الأرض ويفي بشروط الخلافة فيها ، وهو الذي يحيا حياة فاضلة سعيدة ، لأنه استجاب لله ، ونظم أمور حياته بأحكام شريعته ، عملا بقوله سبحانه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). (٨٣)
وقد وعد الله المؤمنين الصالحين الذين يطيعون الله ورسوله ، ويقيمون الصلاة