٦ ـ التربية بالقدوة الحسنة
يميل الإنسان إلى تقليد الكبار والعظماء والاقتداء بهم. والتربية بالقدوة ذات أثر كبير في النفس يفوق أثر الكلام الجميل المنمق وقد اعتمد الرسول صلىاللهعليهوسلم على هذه الطريقة في التربية ، ففي الحديبية أمر أصحابه بالتحلل من الإحرام بعد أن تم الصلح بينه وبين المشركين على أن يرجع المسلمون في ذلك العام ، ثم يؤدون العمرة في العام الذي يليه ، ولكن الصحابة كانوا في غاية الشوق إلى البيت الحرام والطواف بالكعبة المشرفة ، فصعب عليهم أن يرجعوا بدون زيارته ، وقد أصبحوا على مشارف مكة المكرمة ؛ فامتنعوا عن التحلل من الإحرام رجاء أن يغير الرسول صلىاللهعليهوسلم رأيه. ودخل ـ عليه الصلاة والسّلام ـ على أم سلمة رضي الله عنها ، فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت : يا نبي الله! اخرج ولا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك (١٧٣) وتحلق شعرك. فخرج ونحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه. وما إن رأوا ذلك حتى أيقنوا أن الأمر لا رجعة فيه ، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا (١٧٤).
ولذا يجب على الآباء والمربين أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم وتلاميذهم. فهؤلاء يمليون إلى محاكاتهم وينطبعون بطباعهم ، ويتأثرون بأخلاقهم وصفاتهم أكثر من تأثرهم بما يسمعونه منهم من النصائح والدروس.
وقد أدرك مربونا أهمية هذه الطريقة في التربية ، وأوصوا بالاعتماد عليها ؛ فقال عمرو بن عتبة لمعلم ولده : (ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك ، فإن عيونهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت. علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه. وروهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه. ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه ، فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم. وعلمهم سنن الحكماء ، وجنبهم محادثة النساء ولا تتكل على عذر مني لك ، فقد اتكلت على كفاية منك) (١٧٥).
وقال الشيخ الصالح أبو اسحق الجبنياتي المتوفى سنة ٣٦٩ ه :
(لا تعلموا أولادكم إلا عند رجل حسن الدين ؛ لأن دين الصبي على دين معلمه) (١٧٦).
وأعظم قدوة لكل إنسان صغير أو كبير هو سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ذو الخلق العظيم والقدر الجليل. وقد أمر الله ـ جل جلاله ـ كل مؤمن بأن يقتدي به فقال :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً). (١٧٧)