٣ ـ المساجد
المساجد بيوت الله ورياض الجنة وأقدس الأماكن وأطهرها في هذه الأرض. ولها دور عظيم في التربية. وتبدأ صلة المسلم بالمسجد من سن التمييز حين يؤمر بالصلاة ، وتستمر حتى وفاته ، وهو أخر مكان يعرج عليه في دنياه حين يسجى في نعشه ، ويصلى عليه.
ولهذا فإن الأثر التربوي للمساجد كبير وفعال. وينشأ هذا الأثر مما يلقى فيها من الخطب أيام الجمع والأعياد. والدروس الدينية التي تبين أركان الدين وأحكام العبادات ونظام المعاملات ، والمواعظ التي ترشد إلى محاسن الأخلاق وتحذر من سيئها ولقد كانت التربية في المساجد مرحلة أعلى من التربية في الكتاتيب والمدارس الأولية. وكانت تدرس فيها جميع أنواع العلوم قبل أن توجد الجامعات والمدارس النظامية ، ولم تكن تلك الدروس تقتصر على القرآن والسنة والفقه ونظام الإسلام ، وإنما تشمل اللغة العربية وآدابها وقواعدها ، والتاريخ والجغرافية والفلسفة والمنطق والرياضيات وغيرها مما هو نافع للناس يبتغى بتدريسه وجه الله عزوجل.
وإن أسلافنا الذين تعلموا في المساجد كانوا علماء أجلاء ، قضوا على الجهل ، وأناروا الدنيا بعلمهم. وإن الحائز على أعلى الشهادات التي تمنحها الجامعات اليوم ليحني رأسه إجلالا أمام أولئك العلماء الأفاضل ، لسعة علومهم وتنوع معارفهم وتعمقهم في البحث والدراسة ، ولعظم مؤلفاتهم التي كتبوها على ضوء الشمعة ، دون أن ينعموا بشيء من وسائل الترف وزينة الحياة.
وإن حصيلة المتعلم في جلسة واحدة تمتد من الفجر إلى الظهر ، يجلسها بين يدي عالم معتكف في أحد المساجد ، تفوق حصيلة المدارس في أيام عديدة ؛ لأنه كان يجلس باختياره ، ويصغي إلى كل كلمة تصدر عن العالم ، فتقع في قلبه ، وهو يشعر بالسكينة وتغشاه الرحمة ، وتحفه الملائكة.
كما إن المسجد يسهم في التربية الذاتية بما يحتويه من المصاحف والكتب القيمة في التفسير والحديث النبوي والفقه والأخلاق والأدب والنحو وسواها ؛ مما يؤدي إلى سعة المعرفة وزيادة الاطلاع ، ويفسح المجال للبحث والتحقيق العلمي.
وحين يراعي المصلي آداب المسجد كالمحافظة على الطهارة ، والامتناع عن اللغط ورفع الصوت ، والتحلي بالسكينة والوقار ؛ فإنه يكتسب الأدب والخلق ،