٥ ـ المجتمع
تبدأ صلة الفرد بالمجتمع منذ نعومة أظفاره ، حين يقدم أقرباؤه وجيرانه لزيارة أهله ، أو يذهب لزيارتهم. وتزداد صلته به حين يذهب إلى المدرسة ،. ويلتقي بكثير من التلاميذ والمعلمين ، ثم يتخذ أصدقاء منهم ويبادلهم الزيارة ، ويتعرف على أهليهم وتعظم هذه الصلة حين يلتقي بالمصلين في بيوت الله ، وحين يصبح عاملا في أحد المصانع أو موظفا في إحدى الدوائر. وهو في كل ذلك يتأثر بالمجتمع ويؤثر فيه ، يتلقى منه العلم والمعرفة ، ويحصل على الأدب والخلق ، ويخضع لعاداته وأعرافه. فإذا كان المجتمع صالحا جعل أبناءه صالحين ، وإذا أصبح الفرد صالحا وصار عالما فاضلا فإنه يسهم في رقي مجتمعه ونهضته ، ويعمل لإصلاح أفراده وتربيتهم.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما دعامتان أساسيتان في القضاء على عوامل الفساد وتهيئة أسباب النجاح ، وفي محاربة الرذيلة ونشر الفضيلة ، ويقوم بهذه المهمة كل مؤمن ومؤمنة ، فيحرص الفرد على مصالح غيره كما يحرص على مصلحته ويحب الخير لأخيه كمن يحبه لنفسه فيصبح المجتمع متراحما متكافلا قال الله تعالى.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (٣٥)
ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا في هذا الدين ، فإذا أهمل هذا الغرض كانت العاقبة اللعنة والبوار كما حل ببني إسرائيل :
عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال :
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ). (٣٦)
ثم قال : كلا والله لتأمرون بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا (٣٧) ولتقصرنه على الحق قصرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعننكم كما لعنهم (٣٨)».