(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (٥)
والعاملون لتحقيق هذا المنهج الرباني هم الذين يستحقون التمكين في الأرض وأن يجعلوا خلفاء فيها ، وأن يوجهوا دفة سفينة المجتمع نحو شاطئ الأمان ، وأن يمسكوا بحبل النجاة ليجنبوها المخاطر. وهم ورثة الأنبياء ، يقتفون أثرهم ويسلكون سبيلهم
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ). (٦)
والرباني منسوب إلى الرب ، وهو الكامل في العلم والعمل. وهو العالم المعلم الذي يغذو الناس بصغار العلم قبل كبارها ، أو العالي الدرجة في العلم ، والعالم الراسخ في العلم والدين والعارف بالله تعالى. وكونوا ربانيين : أي حكماء علماء (٧).
٢ ـ ومن أبرز خصائص هذا المنهج الشمول والتكامل : فهو لا يجعل التربية خاصة بطبقة من طبقات المجتمع دون غيرها كما كانت عند مختلف الأمم ، لا يتاح العلم سوى للأمراء والنبلاء وأبناء الأشراف والوجهاء. أما سائر الناس فكانوا هملا يساقون لخدمة الحكام الإقطاعيين ، أو يجبرون على العمل في زراعة الأرض والأعمال المهنية وتقديم الضرائب والأتاوات إلى أسيادهم ، وهم محرومون من العلم ، وممنوعون من دخول معاهد التربية :
ففي بلاد الهند كانت الدراسات العليا وقفا على طبقة الكهان وفي أثينا كان التعليم مقصورا على المواطنين الأثرياء أما الفقراء فكانوا ـ كما أراد لهم صولون ـ لا يتعلمون إلا القراءة والسباحة ومهنة من المهن. وكان هذا البون بين الأثرياء والفقراء يبدو أوضح في نوع آخر من التعليم شاع فيما بعد هو الخطابة والفلسفة. وأفلاطون قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات : طبقة الفلاحين والصناع ، وطبقة المحاربين ، وطبقة الحكام. وحرم الطبقة الأولى من كل تربية سوى تعلم مهنة من المهن ، وجعل ثقافة المحاربين تشتمل على الموسيقى والرياضة ، أما الحكام فكانوا يدرسون جميع العلوم ومعها المتيافيزياء ، ويحصلون على ثقافة فلسفية عالية.
والتربية التي كان يحلم بها" أرسطو" محصورة في أقلية ضئيلة ولم يكن للعبيد أي نصيب منها.