«إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ، ولا ينزع من شيء قط إلا شأنه (٣٨)».
«إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» (٣٩).
والأمر بالرفق والإحسان مثالية يتصف بها الفضلاء الذين تربوا في ظل هذا المنهج ، ويترفعون بذلك فوق مستوى غيرهم من البشر ، بدون التنكر للواقع الذي يعيشون فيه أو الشعور بالضيق في هذا الارتفاع.
وهكذا امتاز المنهج الإسلامي عن المناهج البشرية التي غلبت عليها الواقعية فتركت الإنسان يتخبط في مستنقع آسن ، ويعب من الشهوات بشكل يحط من شأنه ، كما في الأنظمة المادية المنتشرة في الشرق والغرب. وامتاز عن المناهج التي غلبت عليها المثالية فتنكرت لحاجات الإنسان ولدوافع النفس ، وفرضت على الناس أن يرتقوا إلى مستويات لا يمكنهم الارتقاء إليها ، وحملتهم ما لا طاقة لهم به. امتاز عنها بملائمة الواقع والانطلاق منه إلى معارج الخير والفضيلة ، والارتقاء إلى مقام الأخلاق والمثل العليا ، فكان صالحا للبشر كلهم ودافعا إلى صلاحهم ورقيهم.
٥ ـ الإيجابية السوية :
يرفع هذا المنهج من شأن الإنسان ، ويعده ليكون خليفة صالحة في الأرض ، ويجعله ينطلق في هذا الكون الفسيح بنظره وفكره ، ولا يمنعه من اكتشاف منطقة مجهولة ، ولا يحظر عليه ارتياد مكان قريب أو بعيد ، ولقد كرم الله الإنسان ، وركبه على أحسن صورة ، ومنحه العقل ليفكر فيه ، والإرادة ليتوجه بها والقدرة ليعمل بها. ولم يجعله كالحيوانات خاضعا لغرائزه ، لا يستطيع الانفلات من قيودها ولا الخروج عليها ، وسخر له ما في السموات والأرض ، وهداه للاستفادة مما فيهما من خيرات ، واطلق يديه وفكره لاستخراج ما فيهما من كنوز وأبعد عنه الوهم وحرره من الخرافات والأساطير.
ولقد كان الناس يخضعون للخرافات ويؤمنون بالأساطير ، ويخافون من قوى مجهوله فيعجزون عن الاستفادة مما خلقه الله لهم. وكانوا يقدمون أموالهم وأنعامهم قرابين للأصنام والكهان ، ويلقون الأنفس البريئة في الأنهار ليفيض ماؤها ، وفي البحار لتجنب أخطارها ، ويذبحونها إرضاء لآلهتهم ودفعا لغضبها.
وكانوا يتشاءمون من أشياء عديدة ، حتى حررهم الإسلام من ذلك كله.
قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» (٤٠).
وقد أراد الرسول صلىاللهعليهوسلم بذلك من المسلمين قوة اليقين والتوكل ،