خاتمة
إن التربية أهم وأخطر عملية يخضع لها الإنسان ، فهي التي تجعله مهذبا لطيفا أو فظا غليظا ، وتجعله عالما صالحا أو جاهلا فاسدا. وهي التي تغير حال الأمة فتجعلها راقية قوية أو متخلفة ضعيفة. فمن الواجب الاهتمام بها والحرص عليها ، لتحقيق الخير والرخاء والعزة والكرامة. وقد أعلن" لوثر" منذ عام ١٥٢٤ م في كتاب خاص وجهه إلى السلطات العامة في" ألمانيا" سخطه على إهمال شؤون الثقافة. ومما قال فيه :
(إن كل مدينة تنفق في كل سنة أموالا طائلة لشق الطرق وبنائها وتحصين الحصون وشراء الأسلحة وتجهيز الجنود. فلم لا تصرف مثل هذه الأموال أجرا لمعلم أو معلمين! فازدهار المدينة لا يتبع ثرواتها الطبيعية فحسب ، ولا يتبع مناعة أسوارها وأناقة بيوتها أو غزارة الأسلحة في معسكراتها ، بل خلاص المدينة وقوتها في قوة التربية التي تقدم لها مواطنين مثقفين عاقلين شرفاء).
ورأى أن العالم في حاجة إلى رجال مثقفين ونساء مثقفات كي يحسن الرجال حكم بلادهم ، وكي تحسن النساء تربية أولادهن والعناية بخدمتهن وشؤون منزلهن (١).
وبالتربية القويمة تنهض الأمم وتتقدم الشعوب وتسعد البشرية. قال" كومنيوس" (أسلموا لي خلال بضع سنين قيادة التربية ، وأنا زعيم بأن أغير لكم وجه العالم) (٢).
والتربية هي سبيل القوة والمنعة ، وبدون التربية الجيدة لا يرجى للأمة أن تحمي كيانها وتحافظ على وجودها وتصد المعتدين عليها.
قال الفيليسوف" فيخته" بعد أن هزم" نابليون" الألمان هزيمة منكرة في موقعة" ينا" سنة ١٨٠٦ : (إن التربية وحدها هي التي تستطيع أن تغسل عار الهزيمة ، وهي التي تستطيع أن تنقذنا من أكثر الذي وقعنا فيه) (٣).
وإن منهج التربية المستمد من القرآن والسنة لهو خير منهج عرفته البشرية ، فهو منهج رباني أنزله اللطيف الخبير ، وهدف التربية فيه واضح محدد ، وجدير بالسعي لتحقيقه ، ومجاله رحب واسع يشمل الإنسان كله ، روحه وجسمه وعقله ونفسه ، ولا يفصل بين الروح والعقل والجسم ، وإنما يحقق التوازن بين جوانب الإنسان. ويتسع للواقع والخيال في تصور الكمال والجمال في العالم الآخر.