٦ ـ التربية الروحية
تطلق الروح على معنيين :
أحدهما : ما يفارق به الحي الميت ، وما يجعل أعضاء الجسم وحواسه قادرة على الحركة والحس والقيام بوظائها. وليس هذا المعنى مقصودا في بحثنا ، فهو سر غامض ، لا يتمكن الإنسان من فهمه بعقله القاصر وعلومه المحدودة. قال تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). (١٣٥)
وثانيهما : هو القوة اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان.
وقد يطلق هذا المعنى على القلب ، وقد يطلق على النفس(١٣٦).
فمن إطلاق هذا المعنى على القلب ما جاء من وصفه بالخشوع والاطمئنان في قوله تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (١٣٧) وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). (١٣٨)
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. (١٣٩)
ومن اطلاقه على النفس ما جاء في قوله سبحانه :
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) (١٤٠)
وهذه الروح ميز الله بها الإنسان على سائر خلقه ، وجعله مستحقا التكريم والتفضيل :
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (١٤١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ). (١٤٢)
والتربية الروحية أرفع أقسام التربية وأكثرها أهمية. وبقدر حصول الإنسان على التربية في هذا المجال يرتفع شأنه وتسمو نفسه. والنظم المادية التي تغفل عن هذه التربية تحط من شأن الإنسان ، وتخفض من مقداره ؛ لأن الإنسان ما هو إلا قبضة من طين ونفخة من روح الله ، ومن عناصر الطين يتركب جسده ، والجسد لا يحيا بدون الطعام والشراب المستخرجين من الطين. فالماء يتفجر من ينابيع الأرض ، ويجري فوقها أو ينزل من السماء ويختلط بترابها. والطعام الذي يتناوله الإنسان يحصل عليه من