بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد ، فإن التربية أخطر عملية يتأثر بها الإنسان وعليها يتوقف نمو الإنسان إلى أقصى الحدود المرسومة له ، وبها يصلح لأداء المهمة المنوطة به.
وحين تبرز أمة على مسرح التاريخ ، وتتفوق على الأمم المعاصرة والسابقة لها ، وتصبح أشد منها قوة وأكثر رقيا ، وتحقق العدل والحياة الكريمة لأفرادها ؛ ثم تريد أن تكشف السر الذي جعلها خير الأمم ، فادرس المنهج الذي ربت عليها صغارها ؛ فجعلتهم أبطالا صالحين وعلماء راسخين.
وإن القرآن الكريم هو دستور التربية الناجحة ؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنزله لهداية الخلق وارشادهم ، كما جاء في قوله سبحانه :
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) سورة الإسراء : (٩).
وهو يتضمن أعظم منهج تربوي عرفه البشر. وقد جربته أمة كانت تعاني من الفرقة والضعف والجهل والتأخر ، فأصبحت أرقى الأمم وأعلمها وأقواها ، وبقيت كذلك قرونا عديدة ، وهي تنهل من معينه الفياض ، وتأوي إلى ظله الوارف ، ثم حدثت عوامل جعلتها تنحرف عنه ؛ فمنيت بالتمزق والتخلف.
وهي الآن تحاول أن تلحق بمن سبقها في مضمار الرقي ، ولكنها تتعثر في سيرها ، وتجد العقبات والمزالق في طريقها. فإذا أرادت أن ترقى القمة مرة ثانية ، وأن تأخذ بيد البشرية الضالة ، وأن تنقذها من شفا الحفرة التي توشك أن تقع فيها ؛ فيجب أن تعود إلى ذلك المنهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد سعيت إلى نفض الغبار الذي تراكم على ذلك المنهج مع مرور الزمن ، وتسليط الضوء عليه ، عسى أن أسهم في رقي هذه الأمة ، وأكون سببا في هداية كثير من الحائرين الضالين ، وأقدم دليلا ومنهاجا للمربين والمعلمين.