(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٥٩)
فكان الرسول صلىاللهعليهوسلم : كلما نزلت عليه آيات يأمر كتاب الوحي بكتابتها ، ويقرؤها على الصحابة فيحفظونها. وتم جمع القرآن في مصحف واحد إثر وفاته ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم نسخ في مصاحف عديدة وزعت على البلاد الإسلامية في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ونقل من جيل إلى جيل كتابة وحفظا. وحملة القرآن هم بفضل الله في كل عصر كثيرون بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب. وبهذا لم يحصل في القرآن شيء من التحريف والضياع أو الزيادة والنقص. بل نقل إلينا كما أنزل.
أما الكتب السماوية السابقة فلم يتكفل الله بحفظها ، بل وكل حفظها إلى الربانيين والأحبار ، وهم العلماء في كل أمة. ولم يتيسر كتابتها حين نزولها ، ولم يوجد من يحفظها عن ظهر قلب ، فلم تبق على حالها ، بل ضاع قسم منها ، وحرف قسم آخر. قال تعالى عن بني اسرائيل والنصارى :
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). (١٦٠)
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ). (١٦١)
وهذا لأن الكتب الأولى كانت خاصة بأمم معينة في العصور القديمة أما القرآن الكريم فهو كتاب الله الخالد الذي يجب على الناس كافة أن يقتبسوا من نوره ، وأن يهتدوا بهديه ، ويتربوا بمنهاجه ، ويعملوا بتعاليمه إلى يوم القيامة. فقد جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصحيفة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله : ما هذه؟ فقال : صحيفة رأيت يهوديا يقرأ بها فأعجبتني فجئتك بها. فقال : «دعها فلو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» (١٦٢).