بأنفسهم ناقة عشراء تمخض. فأخذ عليهم صالح ـ عليهالسلام ـ العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم ليؤمنن به وليتبعنه ؛ فلما أعطوه عهودهم ومواثيقهم قام إلى صلاته ، ودعا الله عزوجل ، فتحركت تلك الصخرة ، ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء ، يتحرك جنينها بين جنبيها كما سألوا. فعند ذلك آمن رئيسهم ومن كان معه على أمره ، وأصر بعضهم على الكفر.
وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب ماء البئر يوما ، وتدعه لهم يوما. وكانوا يشربون لبنها يوم شربها ، يحتلبونها فيملؤون ما شاؤوا من أوعيتهم. ثم تسرح في أوديتهم يوم شربهم. فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لنبيهم عزموا على قتلها ، فعقروها ، فأخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين (٢١٧)
قال تعالى في تكذيبهم لرسولهم وطلبهم المعجزة وهلاكهم : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ. فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢١٨).
ولما دعا موسى ـ عليهالسلام ـ فرعون إلى الإيمان لم يصدقه واتهمه بالجنون ، وهم بسجنه وتعذيبه ، فجاءه موسى بمعجزة تدل على صدقه وهي مبينة في قوله تعالى :
(قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ. قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ. قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ. قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ). (٢١٩)
أما عيسى ـ عليهالسلام ـ فقد جاء بمعجزات تضمنها قول الله سبحانه :
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ (٢٢٠) وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). (٢٢١)
وهكذا نجد أن هؤلاء الرسل جاؤوا بكائن حي من شيء لا حياة فيه : ناقة تخرج من صخرة ، وعصا تنقلب إلى ثعبان ، وطين يتحول إلى طير. وكان رد الكافرين عليهم واحدا ، وهو اتهامهم بالسحر بدلا من تصديقهم والإيمان بهم.
وكانت معجزات الرسل السابقين مادية حسية ، لتكون مناسبة للناس في سذاجة