اعلمن أنّه ليس يمكن في السّبق الدّهريّ أن يترتب قبليّتان وبعديّتان على التّعاقب ، فضلا عن قبليّات وبعديّات متعاقبة الحصول ؛ إنّما احتمال ذلك شأن السّبق الزّمانيّ ويتبرهن من سبيلين : أحدهما النظر في طباع وعاء الدّهر ، إذ ليس يتصوّر فيه امتداد وحدود ، والآخر لحاظ طباع السّبق الدّهريّ مع عزل النّظر عمّا يأباه طباع وعاء الدّهر. [٧ ب] أليس مقتضاه أنّه كان المسبوق معدوما عدما باتّا ساذجا لا يوصف باستمرار وتقدّر مع وجود السّابق وجودا صرفا لا يشوبه تماد وتقدّر ، فكان الصّادق عقدان دهريّان سالب وموجب ، فوجد ، فكذب السّالب وصدق عقد الإيجاب عليهما معا بالإطلاق.
فإذا فرض «أ» سابقا على «ب» سبقا بالدّهر ، وهو على «ج» كذلك ، كانا معا معدومين مع وجود «أ». ثمّ إذا «ب» قد بطل عدمه وعدم «ج» بعد محفوظ ، فلا محالة يقع تقدّر في عدم «ج» وفي وجود «أ» جميعا ، فإذن يكون سبق الأوّل على الثّالث بحسب استمرار الوجود وتمادى العدم ، لا بحسب سنخهما ، وهو خرق الفرض. وهذا الأصل ممّا تواطأت عليه الفلسفة النيّة اليونانيّة والحكمة السّويّة اليمانيّة ، لكنّ الاختلاف في نحو التأسيس عليه.
فالفلاسفة المتهوّسة بتسرمد المبدعات تجعلها جميعا مع مبدعها البارئ ، تعالى شأنه ، في السّبق السّرمديّ ، وقاطبة الحوادث الكونيّة معا في التّأخّر الدّهريّ والحكيم القائم بالقسط لا يشرك بربّه أحدا في القبليّة السّرمديّة ، ويجعل زمر قطّان عالم الجواز من المبدعات والكائنات معا في البعديّة الدّهريّة كنفس واحدة.
وهم وإزاحة
(٨ ـ التقدّم من صفات الحقّ تعالى)
ولعلّ الوهم يزعج سرّك : أنّ الخلف ناهض هناك في قبليّة واحدة ، فإنّ «أ» يوجد مع عدم «ب» ثمّ ينحفظ وجوده مع وجوده ، فيعتريه لزوم الامتداد وإن لم يلزم في عدم «ب» ولا في وجوده.
فيزاح : بأنه إنّما يكون كذلك لو وقع وجوده في حدّين ، ووجود «ب» في الأخير منهما فقط. فتكون [٨ ظ] القبليّة في الأوّل والمعيّة في الأخير ، كما هو سنّة القبليّة والمعيّة الزّمانيّتين. وقد دريت أنّ الأمر هناك على طور آخر ، والمعيّة تقع في