تسويغ السّؤال ، لتعاليه عن تصوّر التّكنيه والتّحديد. إذ عزّة أعظم من أن يسعه مدرك ما ، وأحديّته أقدس من أن يلتقط من ذاته معنى ما أصلا. فليس يمكن أن يشرح اسمه أو يعبّر عن حقيقته إلّا بلوازمه وعوارضه المعقولة. وكذلك مرتبة مطلب «هل» هناك هي بعينها مرتبة مطلب «ما» ، وبالعكس ، كما أنّ مرتبة مطلب «هل البسيط الحقيقى» هي بعينها مرتبة مطلب «هل البسيط المشهوريّ». فإذن قد استبان أنّ تكثّر المطالب إنّما هو في الماهيّات الجائزة ، فأمّا في الحقيقة الحقّة فقاطبتها واحد.
وإذ حقيقة الجواز سلب طرفي التّقرّر واللاتقرّر وضروريّتهما بالنّظر إلى نفس الذّات ، ويتبعه سلب طرفي الوجود والعدم وضروريّتهما سلبا بسيطا تحصّليّا ، وهو صادق في مرتبة نفس الماهيّة ، وليس من لوازم الماهيّة على الاصطلاح الشّائع ، والشّيء بحسبه ، لا المتقرّر ولا اللّامتقرّر ، ولا الذّات ولا اللّاذات ، بل في مفازة القوّة المحضة وفي بلقعة الليس السّاذج ؛ فلا محالة الموجود الجائز هالك الذّات ، [٦٢ ظ] باطل الحقيقة في الآزال والآباد ، وإن كان مجعول الذّات والوجود بالفعل. فكلّ معلول فإنّه بلسان ماهيّته يشهد بليسيّته. فإذن ، القيّوم الواجب بالذّات هو الحقّ ، وما سواه هالكات باطلات ، كما يقول القرآن الحكيم : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (القصص ، ٨٨).
تقديس
(٨ ـ الواجب بالذّات مبدأ وجوب التّقرّر بالفعل)
إنّ القيّوم الواجب بالذّات يلزمه ، بحقيقته ، أنّ الاستناد إليه بالفعل مبدأ استيجاب وجوب التّقرّر والوجود بالفعل ، واللّااستناد إليه مبدأ استيجاب امتناع الحصول بالفعل بتّة ؛ والممكن الجائز الماهيّة أنّ الاستناد إليه ليس يستوجب شيئا من التّقرّر واللاتقرر بالفعل أصلا. ألم يقرع سمعك : أنّ الفحص يقضي ، أوّلا ، أنّ طباع الجواز هو العلّة المفقرة إلى العلّة الجاعلة ، ثمّ يستبين ، بتأمّل أدقّ ونظر أبلغ ، أنّه علّة الافتياق إلى الجاعل الواجب بالذّات ، جلّ مجده ، وأنّ الشّيء ما لم يجب لم يتقرر ، وما لم يوجبه الجاعل لم يجعله ، والمجعول ممتنع التّخلّف عن الجاعل التامّ. فالاستناد إلى الواجب بالذّات غير ممكن الانسلاخ عن الوجوب بالغير ، وإلى الجائز بالذّات غير ممكن الاستيجاب له بتّة.