نسبة الموجود المعيّن إلى سائر الموجودات ، أي : جملة ما قد دخل في الوجود بالإطلاق العامّ، إما نسبة متقدّرة امتداديّة تختلف بحسبها حاله في الوجود بالقياس إلى تلك بالمعيّة واللّامعيّة ، فيكون إذ هو مع البعض ، لا مع سائر الأبعاض ، ولا مع الجملة ، فيقع فيها امتداد غير قارّ لا محالة ؛ وإما نسبة دهريّة وسرمديّة غير متقدّرة ، يمتنع أن يكون بحسبها هو مع البعض في الوجود ، وليس هو [٩ ب] مع سائر الأبعاض ولا مع الجملة ، فيكون الجميع سواسية في الوجود بالنّظر إليه ، فلا يقع تقدّر وامتداد في نفس النّسبة أصلا ، وإن كان بعض المنسوب إليه في نفسه موصوفا بالامتداد.
كما أنّ نسبة الشّيء إلى الأشياء في الوجود : إما نسبة متقدّرة مسافيّة تختلف بحسبها المسافات والأيون ، بالقرب والبعد من ذلك الشّيء ، أو نسبة إحاطيّة خارجة عن جنس التّقدّر واللّاتقدّر ، تكون بحسبها جملة الأمكنة والمتمكّنات والأيون والمسافات بالقياس إليه على سنّة واحدة. فهي في أنفسها موصوفة بالتقدّر والامتداد والجهات والأبعاد ، ولا يعقل شيء من ذلك فيه وفي نفس النّسبة.
تشريق
(١٢ ـ معيّة الحقّ القديم ونسبته تعالى)
مفارقات عالم الهيولى ، كالكلّيّات ، من الأحكام التّصديقيّة وأطرافها التّصوّريّة والحقائق الّتي قبلنا. بطبائعها المرسلات فقط ، والأنوار القدسيّة الشّاهقة بطبائعها وشخصيّاتها جميعا ، لتبرّئها عن الأين والمتى تأبى أن تعرضها النّسبة المتقدّرة المسافيّة ، أو النّسبة المتقدّرة الزّمانيّة ، وإنّ فاطر السّماوات والأرض مبدع المكان والزّمان ، وجاعل الماهيّات والإنّيّات ، وخالق الكلّ ، ومن ورائهم محيط ، فهو ، بمجده وقدسه بالتّقدّس عنهما ، أجدر وأحقّ.
وهذا الأصل ممّا الحكمة السّويّة والفلسفة النيّة قد تواطأتا على تأصيله ، والحكماء الرّاسخون والفلاسفة المتهوّسون في مسلك إثباته على موطئ واحد ، والقرآن العزيز ناصّ عليه ، بقوله جلّ ذكره : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد ، ٤). فأينما كنتم ، ينفى التّقدّر المسافيّ ويجعل جميع الأمكنة والممكنات بالنّسبة إليه تعالى على سبيل واحد. وضمير خطاب الجمع ، إذ ليس [١٠ ظ] يختصّ بأبناء عصر بخصوصه ، بل يجمع