العقل يقضي أنّ الإنسانيّة أو الحيوانيّة المنتزعة أخيرا ليس مطابقها وما تنتزع هي منه بالذّات إلّا نفس الماهيّة من حيث هي.
وبالجملة ، مهما كان مطابق انتزاع المعنى المصدريّ أخيرا نفس جوهر الموضوع بذاته ، كان مفهوم الحال المأخوذ منه منحفظا ، لا محالة ، مع الموضوع في مرتبة ذاته بذاته ، وإن لم يكن المعنى المصدريّ في تلك المرتبة ، بل كان منتزعا أخيرا ولكن من نفس الذّات بما هي هي. فإذن الوجود المصدرىّ بعد مرتبة ذات الأوّل الحقّ ، وهو ، تعالى شأنه ، موجود في مرتبة ذاته ، بنفس ذاته ، لا باقتضاء من تلقاء ذاته.
تقديس
(٢٤ ـ الأوّل الحقّ موجود بالضّرورة وكذا صفاته تعالى)
لعلّ بين نسبة الانسانيّة إلى ذات الانسان ونسبة الموجوديّة إلى الموجود الحقّ ، مع ما دريت من الاتفاق بوجه ، اختلافا مستبينا من وجوه أخر وفرقانا مبينا. أليس ذات الإنسان يكتنهها العقل ويجدها مرتسمة في النفس ، فينتزع منها الإنسانيّة. والموجود الحقّ يمتنع أن يجده ذهن أو يناله عقل ، ولو من القادسات العاليات ، بل إنّما العقل يدرك مفهوم الوجود.
ثمّ الفحص والبرهان يشهدان على شدّة الوله والدهش : أنّ له مبدءا ومطابقا لا يتمثّل في القوى العاقلة بمعايير الأنظار ، ولا تتعرّفه العقول القائسة بمقاييس الأفكار ؛ فهناك يعقل المعنى الانتزاعىّ ، فيعرف أنّ له منتزعا منه بالذّات ؛ وفي الإنسان يعقل المنتزع منه ، ثمّ ينتزع المعنى. وأيضا ليس يصدق «الإنسان [٦٨ ظ] إنسان بالضّرورة المطلقة» بل على التقييد ب «مع الوجود» و «مع المجعوليّة» ، وإن صدق لا بالوجود ولا بالمجعوليّة ، ويصدق : «الأول الحقّ موجود بالضّرورة» لا بتقييد أصلا ، بل على الإطلاق الذّاتيّ الأزليّ السّرمديّ ؛ وكذلك سنّة الصفات قاطبتها في ذلك الجناب.
تقديس
(٢٥ ـ تخصّص الوجود وخصوصيّات الماهيّات)
عسى أن يعتاص عليك : أنّ الوجود مفهوم واحد منتزع من جملة الماهيّات