المتخالفة ، فكيف لا يكون إلّا معنى مصدريا مأخوذا من نفس جوهر الماهيّة ، لا من حيثيّة تقييديّة غيرها ، كالإنسانيّة من الإنسان ، والفرسيّة من الفرس.
فاحدس ممّا تلى وكرّر عليك ، من افتراق النّسبتين بالحيثيّة التعليليّة إثباتا ونفيا ، فمبدأ انتزاع الإنسانيّة والفرسيّة ، مثلا ، هو نفس الإنسان والفرس بما هما إنسان وفرس ، ومبدأ انتزاع الوجود هو نفس الإنسان مثلا ، لكن لا بنفسه وبما هو هو ، بل من تلقاء الجاعل ومن حيث هو صادر عنه أنّ حيثيّة الإنسانيّة ، مثلا ، لا حظّ لها بخصوصها من مناطيّة انتزاع الوجود ، بل الإنسان إنّما ينتزع منه الوجود بما هو منتسب إلى الموجود الحقّ ، انتساب المجعوليّة والصّدور.
فإذن ، خصوصيّة الإنسان ملغاة في مناطيّة الانتزاع ، حتّى لو كان مكانه العقل أو الفلك أو أيّة ماهيّة فرضت في المجعوليّة والصّدور عن الموجود الحقّ الواجب بالذّات ، كانت صحيحة لانتزاع الوجود ، منحفظة على شأنها.
فإذن قد بان فرق ما بين المنتزع منه وبين مناط الانتزاع ومطابقه ، فخصوصيّات الماهيّات المتقرّرة موصوفة بصحّة انتزاع الوجود منها ، ولكنّها ملغاة في مبدئيّة الانتزاع ومناطيّته ؛ بل إنّما مناط مبدئيّة الانتزاع هو القدر المشترك بين كلّ الجائزات المتقرّرة ، أعني حيثيّة صدورها عن [٦٨ ب] الجاعل القيّوم الواجب بالذّات واستنادها إليه ، جلّ جنابه ؛ والمعنىّ بالوجود ومفاده هو كون نفس الماهيّة تحقيقية في ظرف ما ، لا فرضيّة تقديريّة ، وإنّما ذلك بجعل الجاعل إيّاها جعلا بسيطا.
فإذن ، قد صار الأمر إلى أن مبدأ انتزاع طبيعة الوجود وما ينتزع منه معنى الموجوديّة المصدريّة مطلقا على أن هو المطابق بالحقيقة إنّما هو القدّوس الحقّ القيّوم الواجب بالذّات ، فلذلك أىّ شيء استند إليه ، أيّة ماهيّة كانت له ، صحّ انتزاع طبيعة الوجود منه.
فإذن ، خصوصيّات الماهيّات إنّما لها المدخلية في تخصّص طبيعة الوجود وتخصّصها بالإضافة إليها ، وليس لشيء منها بحسب الخصوصيّة قسط مدخليّة ما البتّة في منشئيّة الانتزاع ومناطيّته البتّة. فأيّة ماهيّة لوحظت ، فإنّما منشأ انتزاع الوجود منها هو القيّوم الواجب بالذّات ، ومناط الانتزاع استنادها إليه ، والوجود المنتزع يتخصّص ويتحصّص بالإضافة إليها. فهذا شأن الوجود.