وأمّا الانسانيّة والحيوانيّة ، مثلا ، أعني المعانى المصدريّة للذاتيّات ، فليست على تلك الشّاكلة. وكذلك الزّوجيّة والفرديّة ، مثلا ، أعني لوازم الماهيّات ؛ فمنشأ الانتزاع هناك خصوصيّات الماهيّات بما هي تلك ، الخصوصيّات ، فالمنتزع منه ومطابق الانتزاع فيها واحد ، هو خصوصيّة الماهيّة ؛ ولكن في الذّاتيّات نفس الخصوصيّة وبما هي هي ، وفي اللوازم نفسها ، لا بما هي هي ، بل لها العليّة والاقتضاء لها.
تقديس
(٢٦ ـ الموجود الحقّ هو الواحد القيّوم الواجب بالذّات)
فإذن ، قد عاد الأمر كلّه إلى إقليم الله ، ورجع الوجود كلّه إلى صقع الله. فاشهد : أنّ الموجود الحقّ هو الواحد الحقّ الشخصىّ القيّوم الواجب بالذّات. أليس لا يعنى بالموجود إلّا ما هو منشأ انتزاع الوجود ومصداقه [٦٩ ظ] ومطابقة بالذّات وإن انتزع مفهوم الوجود عمّا سواه بالاستناد إليه على أن هي حين ما هي متقرّرة موجود بالفعل من جهة ذلك الاستناد ، باطلة الماهيّات ، هالكة الإنّيّات ، باللّيس السّاذج والسلب البسيط في حدّ أنفسها بحسب لحاظ ذواتها بما هي هي.
فإذن ، قد استبان أنّ القيّوم الواجب بالذّات هو الحقيقة والذّات والهويّة على الحقيقة ، وما سواه مجازات في التّقرّر وذوات مجازية في الوجود ، بحسب لغة الحكمة الحقّة الخالصة ، الّتي واضعها الحدس والفحص والبرهان ، وإن شاع إطلاق الحقيقة والموجود عليها حقيقة بحسب وضع اللغة اللسانيّة.
ولعلّ هذه المعرفة هي كنه الكفر بالطاغوت وحقيقة الإيمان بالله في التنزيل الكريم ، إذ قال ، عزّ من قائل : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) (البقرة ، ٢٥٦). فلعلّ الطاغوت كلّ عالم الإمكان بنظامه الجمليّ الّذي هو صنم الهلاك بطباع الجواز الّذي هو طلسم البطلان ، والعروة الوثقى نور اليقين الحقّ الخالص الّذي لا يعتريه فواصم الشكوك في ظلمات الأوهام من حوله ، و (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (فصّلت ، ٤٢). والله ، تعالى ، أعلم برموز خطابه وأسرار وحيه.
وكأنّ قوم الذوق وفريق الشّهود من العرفاء المتصوفين ، إذ يدينون بوحدة