من سواد وإن كان سواد أشدّ من سواد ؛ فكذلك لا متكمّم أزيد في أنّه متكمّم من متكمّم وإن كان متكمّم أزيد في الكميّة العارضة له من متكمّم آخر في كميته العارضة ، ولا متكثّر أكثر في أنّه متكثّر من متكثر وإن كان متكثر أكثر عددا ـ العدد العارض له ـ من متكثّر آخر في عدده القائم فيه ، ولا مسودّ أشدّ في أنّه أسود من مسوّد وإن كان مسوّد أشدّ في سواده القائم فيه من مسوّد آخر في سواده.
فإذن ، لا تشكيك إلّا في «المشتقّ» عن العوارض المختلفة بالتماميّة والنقصيّة في حدّ هويّاتها المتخصّصة ، لا في سنخ ماهيّتها المرسلة بالقياس إلى معروضاتها الّتي هي أفراد بالعرض للمشتقّ.
وإذ مقولة «الجوهر» ماهية [٧٦ ظ] منعوتيّة غير قائمة في شيء ، فلا تشكيك فيها أصلا ، ولا جوهر أتمّ جوهرية من جوهر ، بل إنّما الجواهر الأولى أولى وأقدم من الجواهر الثّانية في التّجوهر والوجود ، لا في الجوهريّة. وربّ حقيقة جوهرية هي كاملة تامّة بحسب ذاتها الخاصّة بالقياس إلى حقيقة أخرى ناقصة جوهريّة. كالعقل بالنسبة إلى الهيولى ، والإنسان بالنسبة إلى الفرس ، لا في طباع الجوهريّة ، ولا على شاكلة التماميّة الّتي تعرّفتها في الكيف والكمّ.
ثمّ المتّصل والمنفصل والوجود المطلق الفطرىّ التّصوّر يختلف في الموجودات بالأولويّة والأقدميّة ، وليس يتصوّر له أفراد متحصّلة في أنفسها حتّى يصحّ اختلاف بينها بالتماميّة والنقصان ، بل إنّما حصص متخصصة متمايزة بنفس الإضافة إلى الموضوعات المختلفة ، لا قبل الإضافة.
تقديس
(٣٥ ـ الواجب بالذّات هو الواجب الحقّ والكمال المطلق)
ألم يستبن لك أنّ حيثيّة الوجوب بالذّات فعليّة محضة من كلّ جهة ليس يعتريها شوب قوّة ، ولا يشذّ عنها حيثيّة ما كماليّة أصلا ، بل هي بعينها جملة الحيثيّات الكماليّة والتماميّة وفوق التماميّة. فإذن ، وجود الواجب بالذّات وكمال وجوده ، وحقيقته وكمال حقيقته واحد ، وكذلك كماله وأقصى الكمال أى : لا تناهيه في مراتب الشدّة واحد. فليس يصحّ أن يكون واجبان بالذّات ، مختلفا الهويّة بالتماميّة واللاتماميّة ، حتّى يكون