أحدهما أتمّ حقيقة وأكمل هوية وأجمل ذاتا وأسبغ كمالا من الآخر. فالواجب بالذّات هو الوجود الصّرف والوجوب البحت والجمال الحقّ والكمال المطلق.
تقديس
(٣٦ ـ حقيقة الوجوب لا تكون ماهيّة نوعيّة)
إنّ حقيقة [٧٦ ب] وجوب التّقرّر والوجود بالذّات يمتنع أن تكون ماهيّة نوعيّة لمختلفين بالعدد. ألم يبلغك ما أثبتناه ، في صحفنا ، أنّ كلّ ما يخصّه حدّ نوعىّ ، فإنّه لا يحتمل أشخاصا كثيرة إلّا من جهة المادّة. أليس ما هو في ذاته بريء من الشوائب المادّيّة والغواشى الغريبة الّتي لا تلزم ماهيّته ، عن ماهيّته. إنّما يلحقه ما يتبع ماهيّته عن ماهيّته. فلا يمكن أن يتكثّر إلّا بالماهيّة ، لا بالأشخاص الداخلة تحت ماهيّة محصّلة نوعيّة. فإنّما تشخّص النّوع المتكثّر الأشخاص بالمادّة الحاملة ، من حيث إنّها تقبل الشخصيّات الكثيرة ، لا من حيث إنّها تفعل التشخّص ، أو إنّ لها صنعا ما في فعله ، بل جاعل التّقرّر والوجود هو الّذي يفعل التشخّص. على أن من تلقائه الوجود المتعين بامتناع الشركة من حيث الارتباط بالمتشخّص بالذّات. والأعراض المحمولة ، كالأين والوضع ومتى ، مثلا ، مسماة بالمشخّصات ، على أن هي لوازم وأمارات لمشخّصيّة الوجود المادّيّ.
فإذن ، الماهيّة المجرّدة عن المادّة لا يمكن أن تكون لذاتين ، وإنّما من حقّ طباعها أن يكون نوعها لشخصها بعينه ، والشيئان إنّما هما اثنان ، إمّا بسبب المعنى ، وإمّا بسبب الحامل للمعنى ، وإمّا بسبب الوضع والمكان أو الوقت والزمان ، وبالجملة لعلّة من العلل.
فكلّ معنى موجود بعينه ، لا لشخص بعينه فقط ، فهو متعلّق الذّات ، لا محالة ، بشيء من العلل ولواحق العلل ، فلا يكون هو بعينه الحقيقة القيّوميّة الّتي هي بعينها الوجوب بالذّات. ومن أسلوب آخر : المعنى الوحدانىّ لا يتكثّر بذاته ، وإلّا لم يكن يوجد لواحد ، [٧٧ ظ] وإذ لا وحدة فلا كثرة. فنكون إذا كثّرناه بنفسه ، فقد أبطلنا كثرته ، فقد أبطلنا نفسه. فإذن وجب أن يكون لتكثّره ولوجود كثيرين منه علل ، فاستحال أن يتصوّر ذلك في حقيقة الوجوب بالذّات بتّة.
وأيضا لو كان معنى الوجوب بالذّات طباعا نوعيّا ، وليس هو لواحد شخصىّ