شيء في قوّة الوجود ، فلا ندّ له ولا شريك له. وإذ هو وجود بحت متمجّد عن إمكان العدم وصحة الفساد ، متعال عن الموضوع ، متقدّس عن المادّة وعلائقها. والأضداد بما هي أضداد متفاسدة متكافئة إمكان الاستعقاب والتعقّب على موضوع واحد ، فلا ضدّ له ، ولا كيفيّة ، ولا كميّة ، ولا وضع ، ولا أين ، ولا متى له.
وإذ لا علّة له فلا لم له. وإذ لا جنس له ولا فصل ، بل لا جزء له أصلا ، ولا احتمال حيثيّة وحيثيّة فيه ، بل لا صحّة الاكتساء بحيثيّة مغايرة أصل الذّات مطلقا [٧٨ ب]. فلا حدّ له ولا ما يقام مقام الحدّ توسعا ولا ماهيّة له ، بل ماهيّته : إنّه ، وحقيقته : وجوده. وليس له شيء ممّا تشا به الذّات ، وإنّما يوصف بعد الإنيّة بسلب المشابهات عنه وبإيجاب الإضافات كلّها إليه ، فإنّ كلّ شيء منه. وليس شيء ممّا منه ، وهو كلّ شيء ، مشاركا له ، وليس هو شيئا من الأشياء بعده.
تقديس
(٤٠ ـ الواحد الحقيقىّ لا حدّ له فلا برهان عليه بل هو البرهان والشّاهد)
وإذا لا حدّ له ولا ما يقام مقام الحدّ على سبيل التوسّع ، بل إنّ العقل ربّما ألجأه الاضطرار في شرح اسمه إلى استيناف توسّع آخر في التوسّع المألوف ، والحدّ والبرهان متساوقان متشاركان ، فلا برهان عليه أصلا ، بل هو البرهان على الآفلين والآفلات ، أي : كلّ ما في عالم الجواز الّذي هو افول جوهر الذّات في الليس الخالص والهلاك السّاذج ؛ فهو الشّاهد على كلّ ماهيّة ووجود ، وكلّ ذات وصفة ، كما يقول القرآن الحكيم : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصّلت ، ٥٣). ويقول : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (آل عمران ، ١٨).
وإنّما على السّبيل إليه دلائل واضحة وبوارق لامعة. فالذى يحاول ، أوّلا ، أن يبرهن عليه هو ثبوت ما من الثبوتات الرابطة في العقود الّتي هي الهليّات المركبة لشأن ما من الشئون الإضافيّة لذاته ، ككونه جاعل الماهيّات وصانع العالم ، أعني فاقة العالم إلى جاعليّته وصانعيّته على أن يكون حالا للعالم ، لا حالا للجاعل الصانع. أى : يلحظ أنّ العالم ذو جاعل صانع واجب الوجود. أو كونه فردا لمفهوم الموجود المطلق ، أى : كونه المنتزع منه لمفهوم الوجود المصدريّ الفطريّ و