أيضا لا يمكن تعريفها وتحديدها. والأشياء الّتي يؤتى به على أنّها فصول أو أجناس فإنّما هي تدلّ عليها ، وهي لوازم وعنوانات.
بل إنّ رهطا من شركائنا الرؤساء السّلّاف ربّما تسمعهم يقولون :
«ليس في قدرة البشر الوقوف على حقائق الأشياء ، ولا سيّما البسائط منها ، إلّا من سبيل اللوازم. ونحن لا نعرف حقيقة «الحيوان» ، مثلا ، وإنّما نعرف شيئا له خاصيّة الإدراك والفعل. والمدرك الفعّال ليس هو حقيقة الحيوان ، بل هو خاصّة أو لازم. والفصل الحقيقىّ له لسنا ندركه ، وكذلك لا نعرف حقيقة «الجسم» ، بل نعرف شيئا له هذه الخواصّ ، وهي الطّول والعرض والعمق» (ابن سينا ، التعليقات ، ص ٣٤).
والّذي يقضي به الفحص البالغ أنّه ربّما تنطبع في العقل حقيقة ، كجنس مقولة «الجوهر» ، وإذ هي بسيطة لا يحلّلها العقل إلى جنس وفصل ، فليس للعقل أنّ يعرّفها ويعبّر عنها بصرف كنهها ، فيدرك منها خاصيّة أوليّة تلزمها بنفس ذاتها. وهي أنّها ماهيّة منعوتيّة ، حقّها أنّها إذا وجدت في الخارج كانت لا في موضوع ، فيعبّر عنها بتلك الخاصيّة ويجعلها عنوان نفس الحقيقة ، فمفهوم العنوان وإن كان عرضيّا لازما إلّا أنّ [٨٠ ظ] ذا العنوان والمعبّر عنه هو نفس جوهر الحقيقة. وفصول الأنواع بأسرها على هذه الشّاكلة.
فالفصل المقوّم للإنسان ، مثلا ، يدرك ويعبّر عنه بالناطق ، أى : مستحقّ إدراك الكليات ومبدأه ، لأنّه يدلّ على الفصل المقوّم ، وهو المعنى الّذي أوجب للنوع أن يكون ناطقا. فإذن التّحديد بمثل هذه الأشياء تكون رسوما اقيمت مقام الحدود على التوسّع ، لا حدودا حقيقيّة. وليس يتصوّر في الفصول والأجناس البسيطة إلّا مثل هذا التّحديد الّذي هو على سبيل التوسّع والتجوّز.
ثمّ المركّبات يصحّ تحديدها بالحدود التوسّعيّة وبالحدود الحقيقيّة أيضا. فالإنسان ، مثلا ، إذا عرّف ب «الحيوان الناطق». فإن عنى بهما مبدأهما ، أى : المعنى الّذي بنفسه أوجب الحيوانيّة والمعنى الّذي بنفسه أوجب الناطقيّة ، كان حدّا حقيقيّا من جنس وفصل حقيقيّين ؛ وإن عنى به عنواناهما المفهومان ، كان رسما