وعلى هذا ينصّ القرآن الكريم : «ما خلقكم ولا بعثكم إلّا كنفس واحدة» (لقمان ، ٢٨) ، وفي السّنّة النّبويّة وأحاديث الأوصياء الطّاهرين ، صلّى الله عليهم ، نصوص وإشارات ليس يسعها طور هذه الصّحيفة إحصاء وذكرا.
حكومة
(١٤ ـ آراء المشّائيّة والرّواقيّة والحكماء السّبعة)
كأنّه إذن ، قد بزغ أنّ الفلاسفة المتهوّسين من الفئة المشّائيّة لم يصدقوا (١) دعواهم تعرّف الأمر في استحالة تصوّر الامتداد في وعاء الوجود الّذي هو الدّهر والسّرمد ، وبطلان توهّم النّسبة المتقدّرة للبارئ الحقّ الأوّل ، وإن أصرّوا وأطنبوا. بل إنّما (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) (التّوبة ، ٣٠). وأما ثلّة من الرّواقيّة والحكماء السّبعة الأصول (٢) والأساطين ، أفلاطون وسقراط وفيثاغورس وأنباذقلس وانكسيمايس وثالس وانكساغورس ، وعمود الحكمة اغاثاذيمون وهرمس ، فأولئك في هذه المسألة إخواننا الذّاهبون ، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ونعضّ الأيدى على فراقهم ، لكنّهم وإن صادفوا سمت الوجهة ولّوا الوجوه شطر السبيل ، إلّا أنّهم لم يكونوا يورثون الأخلاف بمرموزات كلماتهم ما يستنام إليه السّرّ في حلّ عويصات الشّكوك وعقد الإعضالات ، (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ ، يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد ، ٢١) ، (١١ ظ).
استشراق
(١٥ ـ الفاعل الحقّ لا تجدّد فيه)
أما قرع سمعك من العلم الأعلى ما سنؤتيك برهانه من ذى قبل ، إن شاء الله تعالى ، وهو أنّ واجب الوجود بالذّات واجب الوجود من جميع الجهات ، وما يصحّ عليه بالإمكان واجب له بذاته حاصل له بالفعل على السّرمديّة والأبديّة ، وليس يتصوّر له حركة وتغيّر وانتقال من صفة أو حال أو شأن إلى صفة أو حال أو شأن أصلا ، ونسبته إلى كافّة مجعولاته ومعلولاته بالتّأثير والإفاضة (٣) واحدة أبدا ، ولا تجدّد وتعاقب
__________________
(١) من قبيل قوله تعالى : (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، وقوله سبحانه : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) (منه دام ظله).
(٢) وبعضهم عدّ الحكماء الاصول لمّة أخرى غير التسعة الأساطين (منه).
(٣) قوله : «بالتأثير والإفاضة» عطف الإفاضة على التأثير تفسيرا له ، تنبيها على أنّ التأثير يطلق على معنيين : أحدهما أمر إضافىّ هو المؤثريّة المضايفة للمتأثرية ولا يعرض للعلّة إلّا من حيث يكون مع المعلول و ـ